وورد
في أحاديث أن السواك من سنن المرسلين وأنه من خصال الفطرة وأنه من الطهارات وأن
فضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعون ضعفا أخرجها أحمد
وابن خزيمة والحاكم والدارقطني وغيرهم.
قال
في البدر المنير قد ذكر في السواك زيادة على مائة حديث فواعجبا لسنة تأتي فيها
الأحاديث الكثيرة ثم يهملها كثير من الناس بل كثير من الفقهاء فهذه خيبة عظيمة.
هذا
ولفظ السواك بكسر السين في اللغة يطلق على الفعل وعلى الالة ويذكر ويؤنث وجمعه سوك
ككتاب وكتب ويراد به في الاصطلاح استعمال عود أو نحوه في الأسنان لتذهب الصفرة
وغيرها قلت وعند ذهاب الأسنان أيضا يشرع لحديث عائشة قلت يا رسول الله الرجل يذهب
فوه ويستاك قال نعم ، قلت وكيف يصنع قال يدخل أصبعه في فيه أخرجه الطبراني في
الأوسط وفيه ضعف.
وأما
حكمه فهو سنة عند جماهير العلماء وقيل بوجوبه وحديث الباب دليل على عدم وجوبه
لقوله في الحديث لأمرتهم أي أمر إيجاب فإنه ترك الأمر به لأجل المشقة لا أمر الندب
فإنه قد ثبت بلا مرية
والحديث
دل على تعيين وقته وهو عند كل وضوء وفي الشرح أنه يستحب في جميع الأوقات ويشتد
استحبابه في خمسة أوقات أحدها عند الصلاة سواء كان متطهرا بماء أو تراب أو غير
متطهر كمن لم يجد ماء ولا ترابا
الثاني
عند الوضوء
الثالث
عند قراءة القران
الرابع
عند الاستيقاظ من النوم
الخامس
عند تغير الفم
قال
ابن دقيق العيد السر فيه أي في السواك عند الصلاة أنا مأمورون في كل حال من أحوال
التقرب إلى الله أن نكون في حالة كمال ونظافة إظهارا لشرف العبادة وقد قيل إن ذلك
الأمر يتعلق بالملك وهو أنه يضع فاه على القارئ ويتأذى بالرائحة الكريهة فسن
السواك لأجل ذلك وهو وجه حسن ، ثم ظاهر الحديث أنه لا يخص صلاة في استحباب السواك
لها في إفطار ولا صيام.والشافعي يقول لا يسن بعد الزوال في الصوم لئلا يذهب به
خلوف الفم المحبوب إلى الله تعالى. وأجيب بأن السواك لا يذهب به الخلوف فإنه صادر
من خلو المعدة ولا يذهب بالسواك ، ثم هل يسن ذلك للمصلي وإن كان متوضئا كما يدل له
حديث عند كل صلاة قيل نعم يسن ذلك وقيل لا يسن إلا عند الوضوء لحديث مع كل وضوء
وأنه يقيد إطلاق عند كل صلاة بأن المراد عند وضوء كل صلاة
ولو
قيل إنه يلاحظ المعنى الذي لأجله شرع السواك فإن كان قد مضى وقت طويل يتغير فيه
الفم بأحد المغيرات التي ذكرت وهي أكل ما له رائحة كريهة وطول السكوت وكثرة الكلام
وترك الأكل والشرب شرع السواك وإن لم يتوضأ وإلا فلا لكان وجها
وقوله
في رسم السواك اصطلاحا أو نحوه أي نحو العود ويريدون به كل ما يزيل التغير كالخرقة
الخشنة والأصبع الخشنة والأشنان. والأحسن أن يكون السواك عود أراك متوسطا لا شديد
اليبس فيجرح اللثة ولا شديد الرطوبة فلا يزيل ما يراد إزالته.
وعن
حمران أن عثمان دعا بوضوء فغسل كفيه ثلاث مرات ثم تمضمض واستنشق واستنثر ثم غسل
وجهه ثلاث مرات ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات ثم اليسرى مثل ذلك ثم مسح
برأسه ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات ثم اليسرى مثل ذلك ثم قال رأيت
رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم توضأ نحو وضوئي هذا متفق عليه.
وعن
حمران رضي الله عنه بضم الحاء المهملة وسكون الميم وبالراء هو ابن أبان بفتح
الهمزة وتخفيف الموحدة وهو مولى عثمان بن عفان أرسله له خالد بن الوليد من بعض من
سباه في مغازيه فأعتقه عثمان أن عثمان هو ابن عفان تأتي ترجمته قريبا دعا بوضوء أي
بماء يتوضأ به فغسل كفيه ثلاث مرات هذا من سنن الوضوء باتفاق العلماء وليس هو
غسلهما عند الاستيقاظ الذي سيأتي حديثه بل هذا سنة الوضوء فلو استيقظ وأراد الوضوء
فظاهر الحديثين أنه يغسلهما للاستيقاظ ثلاث مرات ثم للوضوء كذلك ويحتمل تداخلهما ،
ثم تمضمض المضمضة أن يجعل الماء في الفم ثم يمجه وكمالها أن يجعل الماء في فثه ثم
يديره ثم يمجه كذا في الشرح وفي القاموس المضمضة تحريك الماء في الفم فجعل من
مسماها التحريك ولم يجعل منه المج ولم يذكر في حديث عثمان هل فعل ذلك مرة أو ثلاثا
لكن في حديث علي عليه السلام أنه مضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى فعل هذا ثلاثا ثم
قال هذا طهور نبي الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم واستنشق الاستنشاق إيصال الماء
إلى داخل الأنف وجذبه بالنفس إلى أقصاه واستنثر الاستثنار عند جمهور أهل اللغة
والمحدثين والفقهاء إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق ثم غسل وجهه ثلاث مرات ثم
غسل يده اليمنى فيه بيان لما أجمل في الاية من قوله يا أيها لذين آمنوا إذا قمتم
إلى لصلاة فغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى لمرافق ومسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى لكعبين
وإن كنتم جنبا فطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جآء أحد منكم من لغائط أو
لامستم لنسآء فلم تجدوا مآء فتيمموا صعيدا طيبا فمسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما
يريد لله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون
الآية وأنه يقدم اليمنى إلى المرفق بكسر ميمه وفتح فائه وبفتحها وكسر فائه ،وكلمة
إلى في الأصل للانتهاء وقد تستعمل بمعنى مع وبينت الأحاديث أنه المراد كما في حديث
جابر كان يدير الماء على مرفقيه أي النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ، أخرجه
الدارقطني بسند ضعيف وأخرج بسند حسن في صفة وضوء عثمان أنه غسل يديه إلى المرفقين
حتى مسح أطراف العضدين وهو عند البزار والطبراني من حديث وائل بن حجر في صفة
الوضوء وغسل ذراعيه حتى جاوز المرافق وفي الطحاوي والطبراني من حديث ثعلبة بن عباد
عن أبيه ثم غسل ذراعيه حتى سال الماء على مرفقيه فهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا.
قال إسحاق بن راهويه إلى في الآية يحتمل أن تكون بمعنى الغاية وأن تكون بمعنى مع
فبينت السنة أنها بمعنى
مع.
قال
الشافعي لا أعلم خلافا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء وبهذا عرفت أن الدليل قد
قام على دخول المرافق قال الزمخشري لفظ إلى يفيد معنى الغاية مطلقا فأما دخولها في
الحكم وخروجها فأمر يدور مع الدليل ثم ذكر أمثلة لذلك وقد عرفت أنه قد قام ها هنا
الدليل على دخولها ثلاث مرات ثم اليسرى مثل ذلك أي إلى المرافق ثلاث مرات ثم مسح
برأسه هو موافق للاية في الإتيان بالباء ومسح يتعدى بها وبنفسه.
قال
القرطبي إن الباء هنا للتعدية يجوز حذفها وإثباتها وقيل دخلت الباء ها هنا لمعنى
تفيده وهو أن الغسل لغة يقتضي مغسولا به والمسح لغة لا يقتضي ممسوحا به فلو قال
امسحوا رؤوسكم لأجزأ المسح باليد بغير ماء وكأنه قال فامسحوا برؤوسكم الماء وهو من
باب القلب والأصل فيه فامسحوا بالماء رؤوسكم.
ثم
اختلف العلماء هل يجب مسح الرأس أو بعضه قالوا والاية لا تقتضي أحد الأمرين بعينه
إذ قوله وامسحوا برءوسكم يحتمل جميع الرأس أو بعضه ولا دلالة في الاية عل استيعابه
ولا عدم استيعابه لكن من قال يجزىء مسح بعضه قال إن السنة وردت مبينة لأحد احتمالي
الاية وهو ما رواه الشافعي من حديث عطاء أن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم
توضأ فحسر العمامة عن رأسه ومسح مقدم رأسه وهو وإن كان مرسلا فقد اعتضد بمجيئه
مرفوعا من حديث أنس وهو وإن كان في سنده مجهول فقد عضد بما أخرجه سعيد بن منصور من
حديث عثمان في صفة الوضوء أنه مسح مقدم رأسه وفيه راو مختلف فيه.
وثبت
عن ابن عمر الاكتفاء بمسح بعض الرأس قاله ابن المنذر وغيره ولم ينكر عليه أحد من
الصحابة ، ومن العلماء من يقول لا بد من مسح البعض مع التكميل على العمامة لحديث
المغيرة وجابر بن مسلم ، ولم يذكر في هذه الرواية تكرار مسح الرأس كما ذكره في غيرها
وإن كان قد طوى ذكر التكرار أيضا في المضمضة كما عرفت وعدم الذكر لا دليل فيه
ويأتي الكلام في ذلك
ثم
غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات الكلام في ذلك كما تقدم في يده اليمنى إلى
المرفق إلا أن المرافق قد اتفق على مسماها بخلاف الكعبين فوقع في المراد بهما خلاف
المشهور أنه العظم الناشز عند ملتقى الساق وهو قول الأكثر وحكى عن أبي حنيفة
والإمامية أنه العظم الذي في ظهر القدم عند معقد الشراك وفي المسألة مناظرات
ومقاولات طويلة
قال
في الشرح ومن أوضح الأدلة أي على ما قاله الجمهور حديث النعمان بن بشير في صفة
الصف في الصلاة فرأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه
قلت
ولا يخفى أنه لا ينهض فيه لأن المخالف يقول أنا أسميه كعبا ولا أخالفكم فيه لكني
أقول إنه غير المراد في اية الوضوء إذ الكعب يطلق على الناشز وعلى ما في ظهر القدم
وغاية ما في حديث النعمان أنه سمي الناشز كعبا ولا خلاف في تسميته وقد أيدنا في
حواشي ضوء النهار أرجحية مذهب الجمهور بأدلة هنالك ثم اليسرى مثل ذلك أي الكعبين
ثلاث مرات ثم قال أي عثمان رأيت رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم توضأ نحو
وضوئي هذا متفق عليه.
وتمام
الحديث فقال أي رسول صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى
ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه أي لا يحدث نفسه فيهما بأمور
الدنيا وما لا تعلق له بالصلاة ولو عرض له حديث
فأعرض
عنه بمجرد عروضه عفى عنه ولا يعد محدثا لنفسه
واعلم
أن الحديث قد أفاد الترتيب بين الأعضاء المعطوفة بثم وأفاد التثليث ولم يدل على
الوجوب لأنه إنما هو صفة فعل ترتبت عليه فضيلة ولم يترتب عليه عدم إجزاء الصلاة
إلا إذا كان بصفته ولا ورد بلفظ يدل على إيجاب صفاته. فأما الترتيب فخالفت فيه
الحنفية وقالوا لا يجب وأما التثليث فغير واجب بالإجماع وفيه خلاف شاذ. ودليل عدم
وجوبه تصريح الأحاديث بأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم توضأ مرتين مرتين ومرة مرة
وبعض الأعضاء ثلثها وبعضها بخلاف ذلك وصرح في وضوء مرة مرة أنه لا يقبل الله
الصلاة إلا به ، وأما المضمضة والاستنشاق فقد اختلف في وجوبهما ، فقيل يجبان لثبوت
الأمر بهما في حديث أبي داود بإسناد صحيح ، وفيه وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون
صائما ولأنه واظب عليهما في جميع وضوئه. وقيل إنهما سنة بدليل حديث أبي داود
والدارقطني وفيه إنه لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله تعالى فيغسل
وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين فلم يذكر المضمضمة
والاستنشاق فإنه اقتصر فيه على الواجب الذي لا يقبل الله الصلاة إلا به وحينئذ
فيؤول حديث الأمر بأنه أمر ندب.
وعن
علي رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال ومسح برأسه
واحدة.
أخرجه
أبو داود وأخرجه الترمذي والنسائي بإسناد صحيح ، بل قال الترمذي إنه أصح شيء في
الباب
وعن
علي عليه السلام هو أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله
صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أول من أسلم من الذكور في أكثر الأقوال على خلاف في
سنه كم كان وقت إسلامه وليس في الأقوال أنه بلغ ثماني عشرة بل مترددة بين ست عشرة
إلى سبع سنين شهد المشاهد كلها إلا تبوك فأقامه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في
المدينة خليفة عنه وقال له أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى. استخلف يوم
قتل عثمان يوم الجمعة لثمان عشر خلت من شهر ذي الحجة سنة خمس وثلاثين واستشهد صبح
الجمعة بالكوفة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين ومات بعد ثلاث من ضربة
الشقي ابن ملجم له وقيل غير ذلك
وخلافته
أربع سنين وسبعة أشهر وأيام وقد ألفت في صفاته وبيان أحواله كتب جمة واستوفينا
شطرا صالحا من ذلك في الروضة الندية شرح التحفة العلوية.
في
صفة وضوء النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال ومسح برأسه واحدة. أخرجه أبو داود
هو قطعة من حديث طويل استوفى فيه صفة الوضوء من أوله إلى اخره وهو يفيد ما أفاد
حديث عثمان وإنما أتى المصنف بما فيه التصريح بما لم يصرح به في حديث عثمان وهو مسح
الرأس مرة فإنه نص أنه واحدة مع تصريحه بتثليث ما عداه من الأعضاء
وقد
اختلف العلماء في ذلك فقال قوم بتثليث مسحه كما يثلث غيره من الأعضاء إذ هو من
جملتها وقد ثبت في الحديث تثليثه وإن لم يذكر في كل حديث ذكر فيه تثليث الأعضاء
فإنه قد أخرج أبو داود من حديث عثمان في تثليث المسح أخرجه من وجهين صحح أحدهما
ابن خزيمة وذلك كاف في ثبوت هذه السنة. وقيل لا يشرع تثليثه لأن أحاديث عثمان
الصحاح كلها كما قال أبو داود تدل على مسح الرأس مرة واحدة وبأن المسح مبني على
التخفيف فلا يقاس على الغسل وبأن العدد لو اعتبر في المسح لصار في صورة الغسل ،
أجيب بأن كلام أبي داود ينقضه ما رواه هو وصححه ابن خزيمة كما ذكرناه. والقول بأن المسح
مبني على التخفيف قياس في مقابلة النص فلا يسمع فالقول بأنه يصير في صورة الغسل لا
يبالي به بعد ثبوته عن الشارع ثم رواية الترك لا تعارض رواية الفعل وإن كثرت رواية
الترك إذ الكلام في أنه غير واجب بل سنة من شأنها أن تفعل أحيانا وتترك أحيانا.
وأخرجه أي حديث علي عليه السلام النسائي والترمذي بإسناد صحيح بل قال الترمذي إنه
أصح شيء في الباب وأخرجه أبو داود من ست طرق وفي بعض طرقه لم يذكر المضمضة
والاستنشاق وفي بعض ومسح على رأسه حتى لم يقطر.
وعن
عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنهما في صفة الوضوء قال ومسح رسول الله صَلّى
الله عَلَيْهِ وَسَلّم برأسه فأقبل بيديه وأدبر. متفق عليه
وفي
لفظ لهما بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه.
وعن
عبد الله بن زيد بن عاصم هو الأنصاري المازني من مازن بن النجار شهد أحدا وهو الذي
قتل مسيلمة الكذاب وشاركه وحشي وقتل عبد الله يوم الحرة سنة ثلاث وستين ، وهو غير
عبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي يأتي حديثه في الأذان وقد غلط فيه بعض أئمة
الحديث فلذا نبهنا عليه في صفة الوضوء قال ومسح رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ
وَسَلّم برأسه فأقبل بيديه وأدبر متفق عليه فسر الإقبال بهما بأنه بدأ من مؤخر
رأسه فإن الإقبال باليد إذا كان مقدما يكون من مؤخر الرأس إلا أنه قد ورد في
البخاري بلفظ وأدبر بيديه وأقبل واللفظ الآخر في قوله وفي لفظ لهما أي للشيخين بدأ
بمقدم رأسه حتى ذهب بهما أي اليدين إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه.
الحديث
يفيد صفة المسح للرأس وهو أن يأخذ الماء ليديه فيقبل بهما ويدبر.
وللعلماء
ثلاثة أقوال الأول يبدأ بمقدم رأسه الذي يلي الوجه فيذهب إلى القفا ثم يردهما إلى
المكان الذي بدأ منه وهو مبتدأ الشعر من حد الوجه وهذا هو الذي يعطيه ظاهر قوله
بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه
إلا أنه أورد على هذه الصفة أنه أدبر بهما وأقبل لأن ذهابه إلى جهة القفا إدبار
ورجوعه إلى الوجه إقبال. وأجيب بأن الواو لا تقتضي الترتيب فالتقدير أدبر وأقبل
والثاني
أن يبدأ بمؤخر رأسه ويمر إلى جهة الوجه ثم يرجع إلى المؤخر محافظة على ظاهر لفظ
أقبل وأدبر فالإقبال إلى مقدم الوجه والإدبار إلى ناحية المؤخر وقد وردت هذه الصفة
في الحديث الصحيح بدأ بمؤخر رأسه. ويحمل الاختلاف في لفظ الأحاديث على تعدد
الحالات
والثالث
أن يبدأ بالناصية ويذهب إلى ناحية الوجه ثم يذهب إلى جهة مؤخر الرأس ثم يعود إلى
ما بدأ منه وهو الناصية. ولعل قائل هذا قصد المحافظة على قوله بدأ بمقدم رأسه مع
المحافظة على ظاهر لفظ أقبل وأدبر لأنه إذا بدأ بالناصية صدق أنه بدأ بمقدم رأسه
وصدق أنه أقبل أيضا فإنه ذهب إلى ناحية الوجه وهو القبل وقد أخرج أبو داود من حديث
المقدام أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه
فأمرهما حتى بلغ القفا ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه وهي عبارة واضحة في
المراد ، والظاهر أن هذا من العمل المخير فيه وأن المقصود من ذلك تعميم الرأس
بالمسح
وعن
عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في صفة الوضوء قال ثم مسح برأسه وأدخل إصبعيه
السباحتين في أذنيه ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه.
أخرجه
أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة
وعن
عبد الله بن عمرو بفتح العين المهملة وهو أبو عبد الرحمن أو أبو محمد
عبد
الله بن عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي يلتقي مع النبي صَلّى الله عَلَيْهِ
وَسَلّم في كعب بن لؤي أسلم عبد الله قبل أبيه وكان أبوه أكبر منه بثلاث عشرة سنة
وكان عبد الله عالما حافظا عابدا ، وكانت وفاته سنة ثلاث وستين وقيل وسبعين وقيل
غير ذلك واختلف في موضع وفاته فقيل بمكة أو الطائف أو مصر أو غير ذلك في صفة
الوضوء قال ثم مسح أي رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم برأسه وأدخل إصبعيه
السباحتين بالمهملة فموحدة فألف بعدها مهملة تثنية سباحة وأراد بهما مسبحتي اليد
اليمنى واليسرى وسميت سباحة لأنه يشار بها عند التسبيح في أذنيه ومسح بإبهاميه
إبهامي يديه ظاهر أذنيه. أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة
والحديث
كالأحاديث الأول في صفة الوضوء إلا أنه أتى به المصنف لما ذكر من إفادة مسح الأذنين
الذي لم تفده الأحاديث التي سلفت ولذا اقتصر على ذلك من الحديث
ومسح
الأذنين قد ورد في عدة من الأحاديث من حديث المقدام بن معديكرب عند أبي داود
والطحاوي بإسناد حسن
ومن
حديث الربيع أخرجه أبو داود أيضا ومن حديث أنس عند الدارقطني والحاكم
ومن
حديث عبد الله بن زيد وفيه أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم مسح أذنيه بماء غير
الماء الذي مسح به رأسه
وسيأتي
وقال فيه البيهقي هذا إسناد صحيح وإن كان قد تعقبه ابن دقيق العيد وقال الذي في
ذلك الحديث ومسح رأسه بماء غير فضل يديه ولم يذكر الأذنين وأيده المصنف بأنه عند
ابن حبان والترمذي كذلك
واختلف
العلماء هل يؤخذ للأذنين ماء جديد أو يمسحان ببقية ما مسح به الرأس والأحاديث قد
وردت بهذا وهذا
وسيأتي
الكلام عليه قريبا
وعن
أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا استيقظ
أحدكم من منامه فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان يبيت على خيشومه. متفق عليه
وعن
أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا استيقظ
أحدكم من منامه ظاهره ليلا أو نهارا فليستنثر ثلاثا في القاموس استنثر استنشق
الماء ثم استخرج ذلك بنفس الأنف اه وقد جمع بينهما في بعض الأحاديث فمع الجمع يراد
من الاستنثار دفع الماء من الأنف ومن الاستنشاق جذبه إلى الأنف فإن الشيطان يبيت
على خيشومه هو أعلى الأنف وقيل الأنف كله وقيل عظام رقاق لينة في أقصى الأنف بينه
وبين الدماغ وقيل غير ذلك متفق عليه
الحديث
دليل على وجوب الاستنثار عند القيام من النوم مطلقا إلا أن في رواية للبخاري إذا
استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان الحديث فيقيد الأمر
المطلق به هنا بإرادة الوضوء ويقيد النوم بمنام الليل كما يفيده لفظ يبيت إذ
البيتوتة فيه ، وقد يقال
إنه
خرج على الغالب فلا فرق بين نوم الليل ونوم النهار
والحديث
من أدلة القائلين بوجوب الاستنثار دون المضمضة وهو مذهب أحمد وجماعة ، وقال
الجمهور لا يجب بل الأمر للندب واستدلوا بقوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم
للأعرابي توضأ كما أمرك الله وعين له ذلك في قوله لا تتم صلاة أحد حتى يسبغ الوضوء
كما أمره الله فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين كما
أخرجه أبو داود من حديث رفاعة ولأنه قد ثبت من روايات صفة وضوئه صَلّى الله
عَلَيْهِ وَسَلّم من حديث عبد الله بن زيد وعثمان وابن عمرو بن العاص عدم ذكرهما
مع استيفاء صفة وضوئه وثبت ذكرهما أيضا وذلك من أدلة الندب.
وقوله
يبيت الشيطان قال القاضي عياض يحتمل أن يكون على حقيقته فإن الأنف أحد منافذ الجسم
التي يتوصل إلى القلب منها بالاشتمام وليس من منافذ الجسم ما ليس عليه غلق سواه
وسوى الأذنين
وفي
الحديث إن الشيطان لا يفتح غلقا وجاء في التثاؤب الأمر بكظمه من أجل دخول الشيطان
حينئذ في الفم ويحتمل الاستعارة فإن الذي ينعقد من الغبار من رطوبة الخياشيم قذارة
توافق الشيطان ، قلت والأول أظهر.
وعنه
إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري
أين باتت يده. متفق عليه وهذا لفظ مسلم
وعنه
أي أبي هريرة عند الشيخين أيضا إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده خرج ما إذا
أدخل يده بالمغرفة ليستخرج الماء فإنه جائز إذ لا غمس فيه لليد وقد ورد بلفظ لا
يدخل لكن يراد به إدخالها للغمس لا للأخذ في الإناء يخرج البرك والحياض حتى يغسلها
ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده متفق عليه وهذا لفظ مسلم
الحديث
يدل على إيجاب غسل اليد لمن قام من نومه ليلا أو نهارا وقال بذلك من نوم الليل
أحمد لقوله باتت فإنه قرينة إرادة النوم بالليل كما سلف إلا أنه قد ورد بلفظ إذا
قام أحدكم من الليل عند أبي داود والترمذي من وجه اخر صحيح إلا أنه يرد عليه أن
التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل. وذهب غيره وهو الشافعي ومالك وغيرهما
إلى أن الأمر في رواية فليغسل للندب والنهي الذي في هذه الرواية للكراهة والقرينة
عليه ذكر العدد فإن ذكره في غير النجاسة العينية دليل الندب ولأنه علل بأمر يقتضي
الشك والشك لا يقتضي الوجوب في هذا الحكم استصحابا لأصل الطهارة ولا تزول الكراهة
إلا بالثلاث الغسلات وهذا في المستيقظ من النوم
وأما
من يريد الوضوء من غير نوم فيستحب له لما مر في صفة الوضوء ولا يكره الترك لعدم
ورود النهي فيه والجمهور على أن النهي والأمر لاحتمال النجاسة في اليد وأنه لو درى
أين باتت يده كمن لف عليها فاستيقظ وهي على حالها فلا يكره له أن يغمس يده وإن كان
غسلهما مستحبا كما في المستيقظ وغيرهم يقولون الأمر بالغسل تعبد فلا فرق بين الشاك
والمتيقن وقولهم أظهر كما سلف
وعن
لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أسبغ
الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما أخرجه الأربعة
وصححه ابن خزيمة
ولأبي
داود في رواية إذا توضأت فمضمض
وعن
لقيط بفتح اللام وكسر القاف ابن عامر ابن صبرة بفتح الصاد المهملة وكسر الموحدة
كنيته أبو رزين كما قاله ابن عبد البر صحابي مشهور عداده في أهل الطائف قال قال
رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أسبغ الوضوء الإسباغ الإتمام واستكمال
الأعضاء وخلل بين الأصابع ظاهر في إرادة أصابع اليدين والرجلين وقد صرح بهما في
حديث ابن عباس إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك يأتي من أخرجه قريبا وبالغ في
الاستنشاق إلا أن تكون صائما أخرجه الأربعة وصححه ابن خزيمة ولأبي داود في رواية
إذا توضأت فمضمض وأخرجه أحمد والشافعي وابن الجارود وابن حبان والحاكم والبيهقي
وصححه الترمذي والبغوي وابن القطان. والحديث دليل على وجوب إسباغ الوضوء وهو
إتمامه واستكمال الأعضاء وفي القاموس أسبغ الوضوء أبلغه مواضعه ووفى كل عضو حقه
وفي غيره مثله
فليس
التثليث للأعضاء من مسماه ولكن التثليث مندوب ولا يزيد على الثلاث فإن شك هل غسل
العضو مرتين أو ثلاثا جعلها مرتين ، وقال الجويني يجعل ذلك ثلاثا ولا يزيد عليها
مخافة من ارتكاب البدعة وأما ما روي عن ابن عمر أنه كان يغسل رجليه سبعا ففعل
صحابي لا حجة فيه ومحمول على أنه كان يغسل الأربع من نجاسة لا تزول إلا بذلك
ودليل
على إيجاب تخليل الأصابع وقد ثبت من حديث ابن عباس أيضا كما أشرنا إليه وهو الذي
أخرجه الترمذي وأحمد وابن ماجه والحاكم وحسنه البخاري
وكيفيته
أن يخلل بيده اليسرى بالخنصر منها ويبدأ بأسفل الأصابع ، وأما كون التخليل باليد
اليسرى فليس في النص وإنما قال الغزالي إنه يكون بها قياسا على الاستنجاء.
وقد
روى أبو داود والترمذي من حديث المستورد بن شداد رأيت رسول الله صَلّى الله
عَلَيْهِ وَسَلّم إذا توضأ يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه وفي لفظ لابن ماجه يخلل
بدل يدلك.
والحديث
دليل على المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم وإنما لم يكن في حقه المبالغة لئلا
ينزل إلى حلقه ما يفطره ودل على ذلك أن المبالغة ليست بواجبة إذ لو كانت واجبة
لوجب عليه التحري ولم يجز له تركها.
وقوله
في رواية أبو داود إذا توضأت فمضمض يستدل به على وجوب المضمضة ومن قال لا تجب جعل
الأمر للندب لقرينة ما سلف من حديث رفاعة بن رافع في أمره صَلّى الله عَلَيْهِ
وَسَلّم للأعرابي بصفة الوضوء الذي لا تجزىء الصلاة إلا به ولم يذكر فيه المضمضة
والاستنشاق.
وعن
عثمان رضي الله تعالى عنه أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان يخلل لحيته في
الوضوء
أخرجه
الترمذي وصححه ابن خزيمة
وعن
عثمان رضي الله عنه هو أبو عبد الله عثمان بن عفان الأموي القرشي أحد الخلفاء وأحد
العشرة أسلم في أول الإسلام وهاجر إلى الحبشة الهجرتين وتزوج بنتي النبي صَلّى
الله عَلَيْهِ وَسَلّم رقية أولا ثم لما توفيت زوجه النبي صَلّى الله عَلَيْهِ
وَسَلّم بأم كلثوم ، استخلف في أول يوم من المحرم سنة أربع وعشرين ، وقتل يوم
الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة الحرام سنة خمس وثلاثين ودفن ليلة السبت
بالبقيع وعمره اثنتان وثمانون سنة وقيل غير ذلك. أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ
وَسَلّم كان يخلل لحيته في الوضوء أخرجه الترمذي وصححه ابن خزيمة
والحديث
أخرجه الحاكم والدارقطني وابن حبان من رواية عامر بن شقيق عن أبي وائل ، قال
البخاري حديثه حسن ، وقال الحاكم لا نعلم فيه ضعفا بوجه من الوجوه ، هذا كلامه وقد
ضعفه ابن معين وقد روى الحاكم للحديث شواهد عن أنس وعائشة وعلي وعمار.
قال
المصنف وفيه أيضا عن أم سلمة وأبي أيوب وأبي أمامة وابن عمر وجابر وابن عباس وأبي
الدرداء وقد تكلم على جميعها بالتضعيف إلا حديث عائشة وقال عبد الله بن أحمد عن
أبيه ليس في تخليل اللحية شيء.
وحديث
عثمان هذا دال على مشروعية تخليل اللحية ، وأما وجوبه فاختلف فيه فعند الهادوية
يجب كقبل نباتها لأحاديث وردت بالأمر بالتخليل إلا أنها أحاديث ما سلمت عن الإعلال
والتضعيف فلم تنتهض على الإيجاب.
وعن
عبد الله بن زيد قال أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أتي بثلثي مد فجعل يدلك
ذراعيه. أخرجه أحمد وصححه ابن خزيمة
وعن
عبد الله بن زيد رضي الله عنه أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أتي بثلثي مد
بضم الميم وتشديد الدال المهملة في القاموس مكيال وهو رطلان أو رطل وثلث أو ملء
كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومد يده بهما ومنه سمي مدا وقد جربت ذلك فوجدته
صحيحا اهـ. فجعل يدلك ذراعيه أخرجه أحمد وصححه ابن خزيمة
وقد
أخرج أبو داود من حديث أم عمارة الأنصارية بإسناد حسن أنه صَلّى الله عَلَيْهِ
وَسَلّم توضأ بإناء فيه قدر ثلثي مد. ورواه البيهقي من حديث عبد الله بن زيد فثلثا
المد هو أقل ما روي أنه توضأ به صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم
وأما
حديث أنه توضأ بثلث مد فلا أصل له وقد صحح أبو زرعة من حديث عائشة وجابر أنه صَلّى
الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد وأخرج مسلم نحوه من حديث
سفينة وأبو داود من حديث أنس توضأ من إناء يسع رطلين والترمذي بلفظ يجزىء في
الوضوء رطلان. وهي كلها قاضية بالتخفيف في ماء الوضوء وقد علم نهيه صَلّى الله
عَلَيْهِ وَسَلّم عن الإسراف في الماء وإخباره أنه سيأتي قوم يعتدون في الوضوء فمن
جاوز ما قال الشارع أنه يجزىء فقد أسرف فيحرم وقول من قال إن هذا تقريب لا تحديد
ما هو ببعيد لكن الأحسن بالمتشرع محاكاة أخلاقه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم
والاقتداء به في كمية ذلك ، وفيه دليل على مشروعية الدلك لأعضاء الوضوء وفيه خلاف فمن
قال بوجوبه استدل بهذا ومن قال لا يجب قال لأن المأمور به في الاية الغسل وليس
الدلك من مسماه ولعله يأتي ذكر ذلك.
وعنه
أنه رأى النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يأخذ لأذنيه ماء غير الماء الذي أخذه
لرأسه.
أخرجه
البيهقي وهو عند مسلم من هذا الوجه بلفظ ومسح برأسه بماء غير فضل يديه وهو المحفوظ
وعنه
أي عن عبد الله بن زيد أنه رأى النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يأخذ لأذنيه ماء
غير الماء الذي أخذه لرأسه. أخرجه البيهقي وهو أي هذا الحديث عند مسلم من هذا
الوجه بلفظ ومسح برأسه بماء غير فضل يديه ، وهو المحفوظ ، وذلك أنه ذكر المصنف في
التلخيص عن ابن دقيق العيد أن الذي ره في الرواية هو بهذا اللفظ الذي قال المصنف
إنه المحفوظ. وقال المصنف أيضا إنه الذي في صحيح ابن حبان وفي رواية الترمذي ولم
يذكر في التلخيص أنه أخرجه مسلم ولا رأيناه في مسلم ، إذا كان كذلك فأخذ ماء جديد
للرأس هو أمر لا بد منه وهو الذي دلت عليه الأحاديث وحديث البيهقي هذا هو دليل
أحمد والشافعي أنه يؤخذ للأذنين ماء جديد وهو دليل ظاهر. وتلك الأحاديث التي سلفت
غاية ما فيها أنه لم يذكر أحد أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أخذ ماء جديدا وعدم
الذكر ليس دليلا على عدم الفعل إلا أن كثرة طرقه يشد بعضه بعضا ويشهد لها أحاديث
مسحهما مع الرأس مرة واحدة وهي أحاديث كثيرة عن علي وابن عباس والربيع وعثمان
وكلهم متفقون على أنه مسحهما مع الرأس مرة واحدة أي بماء واحد كما هو ظاهر لفظ مرة
إذ لو كان يؤخذ للأذنين ماء جديد ما صدق أنه مسح رأسه وأذنيه مرة واحدة وإن احتمل
أن المراد أنه لم يكرر مسحهما وأنه أخذ لهما ماء جديدا فهو احتمال بعيد وتأويل
حديث إنه أخذ لهم ماء خلاف الذي مسح به رأسه أقرب ما يقال فيه إنه لم يبق في يده
بلة تكفي لمسح الأذنين فأخذ لهما ماء جديدا.
وعن
أبي هريرة قال سمعت رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يقول إن أمتي يأتون يوم
القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل متفق عليه
واللفظ لمسلم
وعن
أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يقول إن
أمتي يأتون يوم القيامة غرا بضم الغين المعجمة وتشديد الراء جمع أغر أي ذوي غرة
وأصلها لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس ، في النهاية يريد بياض وجوههم بنور الوضوء
يوم القيامة ونصبه على أنه حال من فاعل يأتون وعلى رواية يدعون يحتمل المفعولية
محجلين بالمهملة والجيم من التحجيل ، في النهاية أي بيض مواضع الوضوء من الأيدي
والأقدام ، استعار أثر الوضوء في الوجه واليدين والرجلين للإنسان من البياض الذي
يكون في وجه الفرس ويديه ورجليه من أثر الوضوء بفتح الواو لأنه الماء ويجوز الضم
عند البعض كما تقدم فمن استطاع منكم أن يطيل غرته أي وتحجيله وإنما اقتصر على
أحدهما لدلالته على الاخر واثر الغرة وهي مؤنثة على التحجيل وهو مذكر لشرف موضعها
وفي رواية لمسلم فليطل غرته وتحجيله فليفعل متفق عليه واللفظ لمسلم
وظاهر
السياق أن قوله فمن استطاع إلى اخره من الحديث وهو يدل على عدم الوجوب إذ هو في
قوة من شاء منكم فلو كان واجبا ما قيده بها إذ الاستطاعة لذلك متحققة قطعا وقال
نعيم أحد رواته لا أدري قوله فمن استطاع إلخ من قول النبي صَلّى الله عَلَيْهِ
وَسَلّم أو من قول أبي هريرة وفي الفتح لم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا
الحديث من الصحابة وهم عشرة ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه ،
والحديث دليل على مشروعية إطالة الغرة والتحجيل ، واختلف العلماء في القدر المستحب
من ذلك ، فقيل في اليدين إلى المنكب وفي الرجلين إلى الركبة. وقد ثبت هذا عن أبي
هريرة رواية ورأيا وثبت من فعل ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة وأبو عبيد بإسناد حسن ،
وقيل إلى نصف العضد والساق ، والغرة في الوجه أن يغسل إلى صفحتي العنق.
والقول
بعدم مشروعيتهما وتأويل حديث أبي هريرة بأن المراد به المداومة على الوضوء خلاف
الظاهر ورد بأن الراوي أعرف بما روى ، كيف وقد رفع معناه ولا وجه لنفيه. وقد استدل
على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة بهذا الحديث وبحديث مسلم مرفوعا سيما ليست لأحد
غيركم والسيما بكسر
السين المهملة العلامة ، ورد هذا بأنه قد ثبت الوضوء لمن قبل هذه الأمة ، قيل
فالذي اختصت به هذه الأمة هو الغرة والتحجيل.
وعن
عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يعجبه التيمن في
تنعله وترجله وظهوره وفي شأنه كله. متفق عليه.
وعن
عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يعجبه التيمن أي
تقديم الأيمن في تنعله لبس نعله وترجله بالجيم أي مشط شعره وطهوره وفي شأنه كله
تعميم بعد التخصيص متفق عليه
قال
ابن دقيق العيد هو عام مخصوص يعني قوله كله بدخول الخلاء والخروج من المسجد
ونحوهما فإنه يبدأ فيهما باليسار. قيل والتأكيد بكله يدل على بقاء التعميم ودفع
التجوز عن البعض فيحتمل أن يقال حقيقة الشأن ما كان فعلا مقصودا وما يستحب فيه
التياسر ليس من الأفعال المقصودة بل هي إما تروك وإما غير مقصودة ، والحديث دليل
على استحباب البداءة بشق الرأس الأيمن في الترجل والغسل والحلق وبالميامن في
الوضوء والغسل والأكل والشرب وغير ذلك. قال النووي قاعدة الشرع المستمرة البداءة
باليمين مع كل ما كان من باب التكريم والتزيين ، وما كان بضدها استحب فيه التياسر
ويأتي الحديث في الوضوء قريبا وهذه الدلالة للحديث مبنية على أن لفظ يعجبه يدل على
استحباب ذلك شرعا وقد ذكرنا تحقيقه في حواشي شرح العمدة عند الكلام على هذا الحديث.
وعن
أبي هريرة قال قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا توضأتم فابدأوا
بميامنكم أخرجه الأربعة وصححه ابن خزيمة
وعن
أبي هريرة قال قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا توضأتم فابدأوا
بميامنكم أخرجه الأربعة وصححه ابن خزيمة
وأخرجه
أحمد وابن حبان والبيهقي وزاد فيه وإذا لبستم قال ابن دقيق العيد هو حقيق بأن يصحح
، الحديث دليل على البداءة بالميامن عند الوضوء في غسل اليدين والرجلين وأما
غيرهما كالوجه والرأس فظاهر أيضا شمولهما إلا أنه لم يقل أحد به فيهما ولا ورد في
أحاديث التعليم بخلاف اليدين والرجلين فأحاديث التعليم وردت بتقديم اليمنى فيهما
على اليسرى في حديث عثمان الذي مضى وغيره ، والآية مجملة بينتها السنة واختلف في
وجوب ذلك ولا كلام في أنه الأولى ، فعند الهادوية يجب لحديث الكتاب وهو بلفظ الأمر
وهو للوجوب في أصله وباستمرار فعله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم له فإنه ما روي
أنه توضأ مرة واحدة بخلافه إلا ما يأتي من حديث ابن عباس ولأنه فعله بيانا للواجب
فيجب.
ولحديث
ابن عمر وزيد بن ثابت وأبي هريرة أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم توضأ على الولاء
ثم قال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به وله طرق يشد بعضها بعضا. وقالت
الحنفية وجماعة لا يجب الترتيب بين أعضاء الوضوء ولا بين اليمنى واليسرى من اليدين
والرجلين. قالوا الواو في الاية لا تقتضي الترتيب وبأنه قد روى عن علي عليه السلام
أنه بدأ بمياسره وبأنه قال ما أبالي بشمالي بدأت أم بيميني إذا أتممت الوضوء.
وأجيب
عنه بأنهما أثران غير ثابتين فلا تقوم بهما حجة ولا يقاومان ما سلف وإن كان
الدارقطني قد أخرج حديث علي ولم يضعفه وأخرجه من طرق بألفاظ لكنها موقوفة كلها.
وعن
المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم توضأ ، فمسح
بناصيته وعلى العمامة والخفين أخرجه مسلم.
وعن
المغيرة بضم الميم فغين معجمة مكسورة فياء وراء ، يكنى أبا عبد الله أو أبا عيسى
أسلم عام الخندق وقدم مهاجرا وأول مشاهده الحديبية ، وفاته سنة خمسين من الهجرة
بالكوفة وكان عاملا عليها من قبل معاوية ، وهو ابن شعبة بضم الشين المعجمة وسكون
العين المهملة فموحدة مفتوحة أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم توضأ فمسح
بناصيته في القاموس الناصية والناصاة قصاص الشعر وعلى العمامة والخفين تثنية خف
بالخاء المعجمة مضمومة أي ومسح عليهما أخرجه مسلم ولم يخرجه البخاري ووهم من نسبه
إليهما ، والحديث دليل على عدم جواز الاقتصار على مسح الناصية وقال زيد بن علي
عليه السلام وأبو حنيفة يجوز الاقتصار ، وقال ابن القيم ولم يصح عنه صَلّى الله
عَلَيْهِ وَسَلّم في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه ألبتة لكن كان إذا مسح
بناصيته كمل على العمامة كما في حديث المغيرة هذا ، وقد ذكر الدارقطني أنه رواه عن
ستين رجلا ، وأما الاقتصار على العمامة بالمسح فلم يقل به الجمهور ، وقال ابن
القيم إنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان يمسح على رأسه وعلى العمامة تارة وعلى
الناصية والعمامة تارة والمسح على الخفين يأتي له باب مستقل ويأتي حديث المسح على
العصائب
وعن
جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صفة حج النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال
صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ابدءوا بما بدأ الله به أخرجه النسائي هكذا بلفظ
الأمر وهو عند مسلم بلفظ الخبر
وعن
جابر هو أبو عبد الله جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بالحاء والراء المهملتين
الأنصاري السلمي من مشاهير الصحابة ذكر البخاري أنه شهد بدرا وكان ينقل الماء
يومئذ ، ثم شهد بعدها مع النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ثماني عشرة غزوة ذكر
ذلك الحاكم أبو أحمد وشهد صفين مع علي عليه السلام وكان من المكثرين الحفاظ وكف
بصره في اخر عمره وتوفي سنة أربع أو سبع وسبعين بالمدينة وعمره أربع وتسعون سنة
وهو اخر من مات بالمدينة من الصحابة (في صفة حج النبي صَلّى الله عَلَيْهِ
وَسَلّم) يشير إلى حديث جليل شريف سيأتي إن شاء الله تعالى في الحج قال أي النبي
صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ابدءوا بما بدأ الله به أخرجه النسائي هكذا بلفظ
الأمر وهو عند مسلم بلفظ الخبر أي بلفظ نبدأ ولفظ الحديث قال ثم خرج أي النبي
صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم من الباب أي باب الحرم إلى الصفا فلما دنا من الصفا
قرأ إن لصفا ولمروة من شعآئر لله فمن حج لبيت أو عتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما
ومن تطوع خيرا فإن لله شاكر عليم. نبدأ بما بدأ الله به بلفظ الخبر فعلا مضارعا
فبدأ بالصفا لبداءة الله به في الآية
وذكر
المصنف هذه القطعة من حديث جابر هنا لأنه أفاد أن ما بدأ الله به ذكرا نبتدىء به
فعلا فإن كلامه كلام حكيم لا يبدأ ذكرا إلا بما يستحق البداءة به فعلا فإنه مقتضى
البلاغة ولذا قال سيبويه إنهم أي العرب يقدمون ما هم بشأنه أهم وهم به أعنى فإن
اللفظ عام والعام لا يقتصر على سببه أعني بما بدأ الله به لأن كلمة ما موصولة
والموصولات من ألفاظ العموم وآية الوضوء وهي قوله تعالى فاغسلوا وجوهم وأيديكم الى
المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين داخله تحت الأمر بقوله صَلّى الله
عَلَيْهِ وَسَلّم ابدءوا بما بدأ الله به فيجب البداءة بغسل الوجه ثم ما بعده على
الترتيب وإن كانت الآية لم نفد تقديم اليمنى على اليسرى من اليعدين والرجلين وتقدم
القول فيه قريبا وذهبت الحنفية وآخرون إلى أن الترتيب بين أعضاء الوضوء غير واجب
واستدل لهم بحديث ابن عباس أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم توضأ غسل وجهه ويديه
ثم رجليه ثم مسح رأسه بفضل وضوئه وأجيب بأنه لا تعرف له طريق صحيحة حتى يتم به
الاستدلال ثم لا يخفى أنه كان الأولى تقديم حديث جابر هذا على حديث المغيرة وجعله
متصلا بحديث أبي هريرة لتقاربهما في الدلالة.
وعنه
رضى الله عنه قال كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا توضأ أدار الماء
على مرفقيه اخرجه الدارقطني بإسناد ضعيف.
وعنه
أي جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم
إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه اخرجه الدارقطني هو الحافظ الكبير الإمام العديم
النظير في حفظه قال الذهبي في حقه هو حافظ الزمان أبو الحسين على بن عمر ابن أحمد
البغدادي الحافظ
الشهير
صاحب السنن مولده سنة ست وثلاثمائة سمع من عوالم وبرع في هذا الشأن قال الحاكم صار
الداقطني أوحد عصره في الفظ والفهم والورع وأماما في القراءة والنحو وله مصنفات
يطول ذكرها وأشهد أنه لم يخلق على أديم الأرض مثله وقال الخطيب كان فريد عصره
وإمام وقته وانتهى إليه علم الأثر والمعرفة بالعلل وأسماء الرجال مع الصدق والثقة
وصحة الاعتقاد وقد أطال أئمة الحديث الثناء على هذا الرجل وكانت وفاته في ثامن ذي
القعدة سنة خمس وثمانين وثلثمائة بإسناد ضعيف وأخرجه البيهقي أيضا بإسناد
الدارقطني وفي الإسنادين معا القاسم بن محمد بن عقيل وهو متروك وضعه أحمد وابن
معين وغيرهما وعده ابن حبان في الثقات لكن الجارح أولى وإن كثر المعدل وهنا الجارج
أكثر وصرح بضعف الحديث جماعة من الحفاظ كالمذري وابن الصلاح والنووي وغيرهم قال
المصنف ويغنى عنه حديث أبي هريرة عند مسلم أنه توضأ حتى أشرع في العضد وقال هكذا
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسمل توضأ قلت ولو أتى به هنا لكان أولى.
وعن
أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لا وضوء
لمن لم يذكر اسم الله عليه أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه بإسناد ضعيف.
و
للترمذي عن سعيد بن زيد ، و أبي سعيد نحوه ، قال أحمد لا يثبت شئ.
وعن
أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لا وضوء
لمن لم يذكر اسم الله عليه أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه بإسناد ضعيف هذا قطعة
من الحديث الذي أخرجه المذكورون فإنهم أخرجوه بلفظ لا صلاة لمن لا وضوء له ولا
وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه والحديث مروى من طريق يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي
هريرة وهو يعقوب بن سلمة الليثي قال البخاري لا يعرف له سماع من أبيه ولا لأبيه من
أبي هريرة وله طرق أخرى عند الدارقطني والبيهقي ولكنها كلها ضعيفة أيضا وعند
الطبراني من حديث أبي هريرة بلفظ الأمر إذا توضأت فقل بسم الله والحمد لله فإن
حفظتك لا تزال تكتب لك الحسنات حتى تحدث من ذلك الوضوء ولكن سنده واه.
وللترمذي
لم يقل والترمذي عن سعيد بن زيد وزيد هو ابن عمرة بن نفيل أحد العشرة المشهود لهم
بالجنة صحابي جليل القدر لأنه لم يروه في السنن بل رواه في العلل فغاير المصنف في
العبارة لهذه الإشارة ولأنه لم يروه عن أبي هريرة وأبي سعيد نحوه وقال أحمد لا
يثبت فيه شيء وأخرجه البزار وأحمد وابن ماجه والدارقطني وغيرهم قال الترمذي قال
محمد يعنى البخاري إنه أحسن شيء في هذا الكتاب لكنه ضعيف لأن في رواته مجهولين
ورواية أبي سعيد الخدري التي أخرجها الترمذي وغيره من رواية كثير بن زيد عن ربيح
عن عبد الرحمن عن أبي سعيد ولكنه قدح في كثير بن زيد وفي ربيح أيضا وقد روى
الحديث في التسمية من حديث عائشة وسهل بن سعد وابن سبرة وأم سبرة وعلى وأنس وفي
الجميع مقال إلا أن هذه الروايات يقوى بعضها بعضا فلا تخلوا عن قوة ولذا قال ابن
أبي شيبة ثبت لنا أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قاله وإذا عرفت هذا
فالحديث قد دل على مشروعية التسمية في الوضوء وظاهر قوله لا وضوء أنه لا يصح ولا
يوجد من دونها إذ الأصل في النفي الحقيقة وقد اختلف العلماء في ذلك فذهب الهادوية
إلى أنه فرض على الذاكر وقال أحمد بن حنبل والظاهرية بل وعلى الناسى وفي أحد قولي
الهادي إنها سنة وإليه ذهبت الحنفية والشافعية لحديث أبي هريرة من ذكر الله أول
وضوئه طهر جسده كله وإذا لم يذكر اسم الله لم يطهر منه إلا موضع الوضوء أخرجه
الدارقطني وغيره وهو ضعيف وبه استدل من فرق بين الذاكر والناسى قائلا إن الأول في
حق العامد وهذا في حق الناسى وحديث أبي هريرة هذا الأخير وإن كان ضعيفا فقد عضده
في الدلالة على عدم الفرضية حديث توضأ كما أمرك الله وقد تقدم وهو الدليل على
تأويل النفي في حديث الباب بأن المراد لا وضوء كامل على أنه قد روى هذا الحديث
بلفظ لا وضوء كامل إلا أنه قال المصنف لم يروه بهذا اللفظ قاله البيهقي في السنن
بعد إخراجه هذا أيضا ضعيف أبو بكر الداهرى يريد أحد رواته أنه غير ثقة عند أهل
العلم بالحديث وأما القول بأن هذا مثبت ودال على الإيجاب فيرجح ففيه أنه لم يثبت
ثبوتا يقضى بالإيجاب بل طرقه كما عرفت وقد دل على السنية حديث كل أمر ذي بال
فيتعاضد هو وحديث الباب على مطلق الشرعية وأقلها الندبية.
وعن
طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صَلّى الله
عَلَيْهِ وَسَلّم يفصل بين المضمضة والاستنشاق. أخرجه أبو داود ، بإسناد ضعيف.
وعن
طلحة هو أبو محمد أو أبو عبد الله طلحة بن مصرف بضم الميم وفتح الصاد المهملة وكسر
الراء المشددة وفاء وطلحة أحد الأعلام الأثبات من التابعين مات سنة ثنتي عشرة
ومائة عن أبيه مصرف عن جده كعب بن عمرة الهمداني ومنهم من يقول ابن عمر بضم العين
والمهملة قال ابن عبد البر والأشهر ابن عمر وله صحبة ومنهم من ينكرها ولا وجه
لإنكار من أنكر ذلك ثم ذكر هذا الحديث قال رأيت رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ
وَسَلّم يفصل بين المضمضة والاستنشاق أخرجه أبو داود بإسناد ضعيف لأنه من رواية
ليث بن أبي سليم وهو ضعيف قال النووي اتفق العلماء على ضعفه ولأن مصرفا والد طلحة
مجهول الحال قال أبو داود وسمعت أحمد يقول زعموا أن ابن عيينة كان ينكره يقول إيش
هذا طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده والحديث دليل على الفصل بين المضمضة والاستنشاق
بأن يؤخذا لكل واحد ماء جديد وقد دل له أيضا حديث على عليه السلام وعثمان أنهما
أفرادا المضمضة والاستنشاق ثم قالا هكذا رأينا رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ
وَسَلّم توضأ أخرجه أبو على بن السكن في صحاحه وذهب إلى هذا جماعة وذهبت الهاودية
إلى أن السنة الجمع بينهما بغرفة لم أخرجه ابن ماجه من حديث علي عليه السلام أنه
تمضمض فاستنشق ثلاثا
من كف واحدة وأخرجه أبو داود والجمع بينهما ورد من حديث على من ست طرق وتأتي
إحداها قريبا وكذلك من حديث عثمان عند أبي داود وغيره وفي لفظ لابن حبان ثلاث مرات
من ثلاث حفنات وفي لفظ للبخارى ثلاث مرات غرفة واحدة ومع ورود الروايتين الجمع
وعدمه فالأقرب التخيير وأن الكل سنة وإن كانت رواية الجمع أكثر وأصح وقد اختار في
الشرح التخيير وقال إنه قول الإمام يحيى واعلم أن الجمع قد يكون بغرفة واحدة
وبثلاث منها كما أرشد إليه ظاهر قوله في الحديث من كف واحد ومن غرفة واحده وقد
يكون الجمع بثلاث غرفات لكل واحدة من الثلاث المرات غرفة كما هو صريح ثلاث مرات من
ثلاث حفنات قال البيهقي في السنن بعد ذكره الحديث يعني والله أعلم أنه تمضمض
واستنثر كل مرة من غرفة واحدة ثم فعل ذلك ثلاثا من ثلاث غرفات قال ويدل له حديث
عبد الله بن زيد ثم ساقه بسنده وفيه ثم أدخل يده في الإناء
فمضمض
واستنشق واستنثر ثلاث مرات من ثلاث غرفات من ماء ثم قال رواه البخاري في الصحيح
وبه يتضح أنه يتعين هذا الاحتمال.
وعن
علي رضي الله عنه في صفة الوضوء ثم تمضمض صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم واستنثر
ثلاثا يمضمض وينثر من الكف الدي يأخذ منه الماء أخرجه أبو داود والنسائي
وعن
علي رضي الله عنه في صفة الوضوء ثم تمضمض صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم واستنثر
ثلاثا يمضمض وينثر من الكف الدي يأخذ منه الماء أخرجه أبو داود والنسائي ، هذا من
أدلة الجمع ويحتمل أنه من غرفة واحدة أو من ثلاث غرفات
وعن
عبد الله بن زيد رضي الله عنه في صفة الوضوء أو وضوئه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم
ثم أدخل صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يده أي في الماء فمضمض واستنشق من كف واحد ،
يفعل ذلك ثلاثاً. متفق عليه.
وعن
عبد الله بن زيد رضي الله عنه في صفة الوضوء أو وضوئه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم
ثم أدخل صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يده أي في الماء فمضمض واستنشق لم يذكر
الاستنثار لأن المراد إنما هو ذكر اكتفائه بكف واحدة من الماء لما يدخل في الفم
والأنف وأما دفع الماء
فليس
من مقصود الحديث من كف واحدة الكف يذكر ويؤنث يفعل ذلك ثلاثا متفق عليه هو ظاهر
أنه كفاه كف واحد للثلاث المرات وإن كان يحتمل أنه أراد به فعل كل منهما من كف
واحد يغترف في كل واحدة من الثلاث والحديث كالأول من أدلة الجمع وهذا الحديث
والأول مقتطعان من الحديثين الطويلين في صفة الوضوء وقد تقدم مثل هذا إلا أن
المصنف إنما يقتصر على موضع الحجة الذي يريده كالجمع هنا.
وعن
أنس رضي الله عنه قال رأى النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم رجلا وفي قدمه مثل
الظفر لم يصبه الماء ، فقال ارجع فأحسن وضوءك. أخرجه أبو داود والنسائي
وعن
أنس رضي الله عنه قال رأى النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم رجلا وفي قدمه مثل
الظفر بضم الظاء المعجمة والفاء
فيه
لغات أخر أجودها ما ذكر وجمعه أظفار وجمع الجمع أظافير لم يصبه الماء أي ماء وضوئه
فقال له ارجع فأحسن وضوءك أخرجه أبو داود والنسائي
وقد
أخرج مثله مسلم من حديث جابر عن عمر إلا أنه قيل إنه موقوف على عمر ، وقد أخرج أبو
داود من طريق خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أن
النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدميه لمعة قدر الدرهم
لم يصبها الماء فأمره النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أن يعيد الوضوء والصلاة ،
قال أحمد بن حنبل لما سئل عن إسناده جيد نعم ، هو دليل على وجوب استيعاب أعضاء الوضوء
بالماء نصا في الرجل وقياسا في غيرها. وقد ثبت حديث ويل للأعقاب من النار قاله
صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في جماعة لم يمس أعقابهم الماء وإلى هذا ذهب الجمهور،
وروى عن أبي حنيفة قال إنه يعفى عن نصف العضو أو ربعه أو أقل من الدرهم روايات
حكيت عنه.
وقد
استدل بالحديث أيضا على وجوب الموالاة حيث أمره أن يعيد الوضوء ولم يقتصر على أمره
بغسل ما تركه قيل ولا دليل فيه لأنه أراد التشديد عليه في الإنكار والإشارة إلى أن
من ترك شيئا فكأنه ترك الكل ولا يخفى ضعف هذا القول فالأحسن أن يقال إن قول الراوي
أمره أن يعيد الوضوء
أي غسل ما تركه وسماه إعادة باعتبار ظن المتوضىء فإنه صلى ظانا بأنه قد توضأ وضوءا
مجزئا وسماه وضوءا في قوله يعيد الوضوء لأنه وضوء لغة ، وفي الحديث دليل على أن
الجاهل والناسي حكمهما في الترك حكم العامد.
وعنه
رضي الله عنه قال كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يتوضأ بالمد ويغتسل
بالصاع إلى خمسة أمداد
متفق
عليه.
وعنه
أي أنس بن مالك قال كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يتوضأ بالمد تقدم
تحقيق قدره ويغتسل بالصاع وهو أربعة أمداد ولذا قال إلى خمسة أمداد كأنه قال
بأربعة أمداد إلى خمسة متفق عليه
وتقدم
أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم توضأ بثلثي مد وقدمنا أنه أقل ما قدر به ماء
وضوئه ولو أخر المصنف ذلك الحديث إلى هنا أو قدم هذا لكان أوفق لحسن الترتيب.
ظاهر
هذا الحديث أن هذا غاية ما كان ينتهي إليه وضوءه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم
وغسله ولا ينافيه حديث عائشة الذي أخرجه البخاري أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم
توضأ من إناء واحد يقال له الفرق بفتح الفاء والراء وهو إناء يسع تسعة عشر رطلا
لأنه ليس في حديثها أنه كان ملآنا ماء بل قولها من إناء يدل على تبعيض ما توضأ منه.
وحديث
أنس هذا والحديث الذي سلف عن عبد الله بن زيد يرشدان إلى تقليل ماء الوضوء
والاكتفاء باليسير منه
وقد
قال البخاري وكره أهل العلم فيه أي ماء الوضوء أن يتجاوز فعل النبي صَلّى الله
عَلَيْهِ وَسَلّم.
وعن
عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ما منكم من أحد
يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء أخرجه مسلم
والترمذي وزاد اللهم
اجعلني
من التوابين ، واجعلني من المتطهرين.
وعن
عمر بضم العين المهملة منقول من جمع عمرة وهو أبو حفص عمر بن الخطاب القرشي يجتمع
مع النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في كعب بن لؤي أسلم سنة ست من النبوة وقيل
سنة خمس بعد أربعين رجلا ، وشهد المشاهد كلها مع النبي صَلّى الله عَلَيْهِ
وَسَلّم وله مشاهد في الإسلام وفتوحات في العراق والشام ، وتوفي في غرة المحرم سنة
أربع وعشرين طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة وخلافته عشر سنين ونصف. قال قال
رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء تقدم
أنه إتمامه ثم يقول بعد إتمامه أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية هو من باب ونفخ في الصور عبر
عن الآتي بالماضي لتحقق وقوعه والمراد تفتح له يوم القيامة يدخل من أيها شاء أخرجه
مسلم وأبو داود وابن ماجه والترمذي وزاد اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من
المتطهرين ، جمع بينهما إلماما بقوله تعالى ويسألونك عن لمحيض قل هو أذى فعتزلوا
لنسآء في لمحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم لله إن لله
يحب لتوابين ويحب لمتطهرين. ولما كانت التوبة طهارة الباطن من أدران الذنوب
والوضوء طهارة الظاهر عن الأحداث المانعة عن التقرب إليه تعالى ناسب الجمع بينهما
أي طلب ذلك من الله تعالى غاية المناسبة في طلب أن يكون السائل محبوبا لله وفي
زمرة المحبوبين له. وهذه الرواية وإن قال الترمذي بعد إخراجه الحديث في إسناده
اضطراب فصدر الحديث ثابت في مسلم وهذه
الزيادة
قد رواها البزار والطبراني في الأوسط من طريق ثوبان بلفظ من دعا بوضوء فتوضأ فساعة
فرغ من وضوئه يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم
اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ورواه ابن ماجه من حديث أنس وابن السني
في عمل اليوم والليلة والحاكم في المستدرك من حديث أبي سعيد بلفظ من توضأ فقال سبحانك
اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق ثم طبع بطابع
فلا يكسر إلى يوم القيامة وصحح النسائي أنه موقوف وهذا الذكر عقيب الوضوء. قال
النووي قال أصحابنا ويستحب أيضا عقيب الغسل.
وإلى
هنا انتهى باب الوضوء ولم يذكر المصنف من الأذكار فيه إلا حديث التسمية في أوله
وهذا الذكر في اخره. وأما حديث الذكر مع غسل كل عضو فلم يذكره للاتفاق على ضعفه ،
قال النووي الأدعية في أثناء الوضوء لا أصل لها ولم يذكرها المتقدمون ، وقال ابن
الصلاح لم يصح فيه
حديث.
هذا
ولا يخفى حسن ختم المصنف باب الوضوء بهذا الدعاء الذي يقال عند تمام الوضوء فعلا
فقاله عند تمام أدلته تأليفا وعقب الوضوء بالمسح على الخفين لأنه من أحكام الوضوء
فقال:
باب
المسح على الخفين
أي باب ذكر أدلة شرعية ذلك. والخف: نعل من أدم
يغطي الكعبين. والجرموق: خف كبير يلبس فوق خف صغير. والجورب فوق الجرموق يغطي
الكعبين بعض التغطية دون النعل، وهي تكون دون الكعاب.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar