Rabu, 11 Juni 2014

KITAB THAHARAH Halaman 10-19

قال النووي: حديث جابر لا يجوز الاحتجاج به لو لم يعارضه شيء كيف وهو معارض اهـ. فلا يخص به العام، ولأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أكل من العنبرة التي قذفها البحر لأصحاب السرية، ولم يسأل بأي سبب كان موتها، كما هو معروف في كتب الحديث والسيرة.
والكبد حلال بالإجماع، وكذلك مثلها الطحال فإنه حلال، إلا أنه في البحر قال: يكره لحديث علي رضي الله عنه: "إنه لقمه الشيطان" أي إنه يسر بأكله، إلا أنه حديث لا يعرف من أخرجه.
وعن أبي هريرة قالَ: قالَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إذا وقَعَ الذُّبَابُ في شرَابِ أحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ، ثمَّ ليَنْزِعْهُ، فإنَّ في أحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وفي الاخَرِ شِفَاءً" أخرَجَهُ البخاريُّ وأبو داود، وزادَ: "وإنّهُ يَتَّقِي بجَنَاحِهِ الذي فيهِ الدَّاءُ".
(وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إذا وقَعَ الذُّبَابُ في شراب أحدكم") وهو كما أسلفناه من أن الإضافة ملغاة كما في قوله: "إذا ولغَ الكلبُ في إناء أحدكُم" وفي لفظ "في طعام أحدكُم" (فَلْيَغْمسْهُ) زاد في رواية البخاري "كلَّهُ) ، تأكيداً. وفي لفظ أبي داود "فامْقُلوه"، وفي لفظ ابن السكن "فليمقله" (ثمَّ لينْزِعْهُ) فيه: أنه يمهل في نزعه بعد غمسه (فإنَّ في أحد جناحَيْهِ داءً وفي الاخر شفاءً) هذا تعليل للأمر بغمسه. وفي لفظ البخاري "ثم ليطرحه فإن في أحد جنايه شفاء وفي الاخر داء"، وفي لفظ "سما" (أخرجه البخاري وأبو داود. وزاد: وإنّهُ يَتّقِي بجناحهِ الذي فيه الداء). وعند أحمد وابن ماجه: أنه يقدم السم ويؤخر الشفاء.
والحديث دليل ظاهر على جواز قتله دفعاً لضرره، وأنه يطرح ولا يؤكل، وأن الذباب إذا مات في مائع فإنه لا ينجسه؛ لأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أمر بغمسه، ومعلوم أنه يموت من ذلك، ولاسيما إذا كان الطعام حاراً، فلو كان ينجسه لكان أمراً بإفساد الطعام، وهو صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إنما أمر بإصلاحه. ثم عدى هذا الحكم إلى كل ما لا نفس له سائلة كالنحلة والزنبور والعنكبوت وأشباه ذلك؛ إذ الحكم يعم بعموم علته، وينتفي بانتفاء سببه، فلما كان سبب التنجيس هو الدم المحتقن في الحيوان بموته، وكان ذلك مفقوداً فيما لا دم له سائل، انتفى الحكم بالتنجيس لانتفاء علته، والأمر بغمسه ليخرج الشفاء منه كما خرج الداء منه.
وقد علم أن في الذباب قوة سمية كما يدل عليها الورم والحكة الحاصلة من لسعه وهي بمنزلة السلاح، فإذا وقع فيما يؤذيه اتقاه بسلاحه، كما قال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "فإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء" أمر صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أن تقابل تلك السمية بما أودعه الله سبحانه وتعالى فيه من الشفاء في جناحه الآخر بغمسه كله. فتقابل المادة السمية المادة النافعة فيزول ضررها، وقد ذكر غير واحد من الأطباء: أن لسعة العقرب والزنبور إذا دلك موضعها بالذباب نفع منه نفعاً بيناً ويسكنها، وما ذلك إلا للمادة التي فيه من الشفاء.
وعن أبي واقد الليْثيِّ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهيمَة ــــ وهيَ حَيّةٌ ــــ فهُوَ مَيِّتٌ". أَخْرَجَهُ أَبو داودَ والتِّرْمِذيُّ، وحَسّنَهُ، واللفظُ لَهُ.
(وعن أبي واقد) بقاف مكسورة ودال مهملة اسمه الحارث بن عوف من أقوال. قيل: إنه شهد بدراً، وقيل: إنه من مسلمة الفتح، والأول أصح. مات سنة ثمان أو خمس وستين بمكة (الليثي) بمثناة تحتية نسبة إلى ليث لأنه من بني عامر بن ليث (رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: ما قُطعَ من البهيمة) في القاموس: البهيمة: كل ذات أربع قوائم ولو في الماء، وكل حي لا يميز. والبهيمة أولاد الضأن والمعز، ولعل المراد هنا الأخير أو الأول لما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى (وهي حيّةٌ فَهُوَ) أي المقطوع (ميت أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه واللفظ له) ، أي قال: إنه حسن، وقد عرف معنى الحسن في تعريف الصحيح فيما سلف واللفظ للترمذي.
والحديث قد روي من أربع طرق عن أربعة من الصحابة: عن أبي سعيد، وأبي واقد، وابن عمر، وتميم الداري. وحديث أبي واقد هذا رواه أيضاً أحمد والحاكم بلفظ: قدم رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم المدينة، وبها ناس يعمدون إلى أليات الغنم وأسنمة الإبل فقال: "ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت".
والحديث دليل على أن ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت.
وسبب الحديث دال على أنه أريد بالبهيمة ذات الأربع وهو المعنى الأول لذكره الإبل فيه، لا المعنى الأخير الذي ذكره القاموس، لكنه مخصوص بما أبين من السمك ولو كانت ذات أربع، أو يراد به المعنى الأوسط وهو كل حي لا يميز، فيخص منه الجراد، والسمك، وما أبين مما لا دم له. وقد أفاد قوله "فهو ميت" أنه لا بد أن يحل المقطوع الحياة، لأن الميت هو ما من شأنه أن يكون حياً.
باب الآنية
الآنية جمع إناء وهو معروف؛ وإنما بوب لها، لأنّ الشارع قد نهى عن بعضها، فقد تعلّقت بها أحكام.
عن حُذَيْفَةَ بن الْيَمَانِ رضي الله عنهما قال: قال رَسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لا تَشْرَبُوا في انيةِ الذَّهَبِ والْفِضَّةِ، ولا تأكُلُوا في صِحَافِهِمَا، فإنها لَهُمْ في الدُّنْيَا، وَلَكُمْ في الآخِرَةِ"، متفق عليه.
(عن حذيفة) أي: أروي، أو أذكر، كما سلف، وحذيفة بضم الحاء المهملة فذال معجمة فمثناة تحتية ساكنة ففاء، هو أبو عبد الله حذيفة (بن اليمان) بفتح المثناة التحتية وتخفيف الميم اخره نون، وحذيفة وأبوه صحابيان جليلان شهدا أحداً، وحذيفة صاحب سرّ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وروى عنه جماعة من الصحابة، والتابعين. ومات بالمدائن سنة خمس، أو ست وثلاثين بعد قتل عثمان بأربعين ليلة (قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: لا تشربوا في انية الذَّهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما) جمع صحفة. قال الكشاف والكسائي: الصحفة هي ما تشبع الخمسة (فإنها) أي انية الذهب والفضة وصحافهما (لهم) أي: للمشركين، وإن لم يذكروا فهم معلومون (في الدنيا) إخبار عما هم عليه، لا إخبار بحلها لهم، (ولكم في الاخرة، متفق عليه) بين الشيخين.
والحديث دليل على تحريم الأكل والشرب في انية الذهب والفضة، وصحافهما، سواء كان الإناء خالصاً ذهباً أو مخلوطاً بالفضة، إذ هو بما يشمله أنه إناء ذهب وفضة. قال النووي: إنه انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب فيهما.
واختلف في العلة:
فقيل: للخيلاء.
وقيل: بل لكونه ذهباً وفضة.
واختلفوا في الإناء المطلي بهما: هل يلحق بهما في التحريم، أم لا؟
فقيل: إن كان يمكن فصلهما حرم إجماعاً؛ لأنه مستعمل للذهب والفضة، وإن كان لا يمكن فصلهما لا يحرم. وأما الإناء المضبب بهما، فإنه يجوز الأكل والشرب فيه إجماعاً.
وهذا في الأكل والشرب فيما ذكر لا خلاف فيه، فأما غيرهما من سائر الاستعمالات، ففيه الخلاف:
قيل: لا يحرم: لأن النص لم يرد إلا في الأكل والشرب. وقيل: يحرم سائر الاستعمالات إجماعاً.
ونازع في الأخير بعض المتأخرين وقال: النص ورد في الأكل والشرب لا غير، وإلحاق سائر الاستعمالات بها قياساً لا تتم فيه شرائط القياس.
والحقّ ما ذهب إليه القائل: بعدم تحريم غير الأكل والشرب فيهما؛ إذ هو الثابت بالنص، ودعوى الإجماع غير صحيحة، وهذا من شؤم تبديل اللفظ النبوي بغيره؛ فإنه ورد بتحريم الأكل والشرب فقط، فعدلوا عن عبارته إلى الاستعمال، وهجروا العبارة النبوية، وجاءوا بلفظ عام من تلقاء أنفسهم، ولها نظائر في عباراتهم. ولهذا ذكر المصنف هذا الحديث هنا؛ لإفادة تحريم الوضوء في انية الذهب والفضة؛ لأنه استعمال لهما على مذهبه في تحريم ذلك، وإلاّ فباب هذا الحديث باب الأطعمة والأشربة.
ثم هل يلحق بالذهب والفضة نفائس الأحجار كالياقوت والجواهر؟ فيه خلاف، والأظهر عدم إلحاقه، وجوازه على أصل الإباحة؛ لعدم الدليل الناقل عنها.
وَعَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضيَ الله عنها، قالَتْ: قَالَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "الّذي يَشْرَبُ في إناءِ الْفِضَّةِ إنّمَا يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارَ جَهَنّم" مُتّفَقٌ علَيْهِ.
(وعن أم سلمة رضي الله عنها) هي أم المؤمنين زوج النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، اسمها هند بنت أبي أمية، كانت تحت أبي سلمة بن عبد الأسد، هاجرت إلى أرض الحبشة مع زوجها، وتوفي عنها في المدينة بعد عودتهما من الحبشة، وتزوجها النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في المدينة سنة أربع من الهجرة، وتوفيت سنة تسع وخمسين، وقيل: اثنتين وستين، ودفنت بالبقيع، وعمرها أربع وثمانون سنة (قالت: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: الذي يشربُ في إناء الفضَّة) هكذا عند الشيخين. وانفرد مسلم في رواية أخرى بقوله: "في إناء الفضة والذهب" (إنما يجرجر) بضم المثناة التحتية وجيم فراء وجيم مكسورة. والجرجرة: صوت وقوع الماء في الجوف، وصوت البعير عند الجرة، وجعل الشرب والجرع جرجرة (في بطنه نار جهنم. متفق عليه) بين الشيخين.
قال الزمخشري: يروى برفع النار أي: على أنها فاعل مجازاً، وإلاّ فنار جهنم على الحقيقة لا تجرجر في بطنه، إنما جعل جرع الإنسان للماء في هذه الأواني المنهي عنها، واستحقاق العقاب على استعمالها: كجرجرة نار جهنم في جوفه مجازاً، هكذا على رواية الرفع. وذكر الفعل يعني يجرجر وإن كان فاعله النار وهي مؤنثة للفصل بينها وبين فعلها، ولأنّ تأنيثها غير حقيقي، والأكثر على نصب جهنم، وفاعل الجرجرة هو الشارب والنار مفعوله، والمعنى: كأنما يجرع نار جهنم من باب: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}. قال النووي: والنصب هو الصحيح المشهور الذي عليه الشارحون وأهل العرف واللغة، وجزم به الأزهري. وجهنم عجمية لا تنصرف للتأنيث والعلمية؛ إذ هي علم لطبقة من طبقات النار، أعاذنا الله منها، سميت بذلك لبعد قعرها، وقيل: لغلظ أمرها في العذاب.
والحديث يدل على ما دل عليه حديث حذيفة الأول.
وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِي الله عنهُمَا، قالَ: قالَ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إذا دُبِغَ الإهَابُ فقدَ طَهُرَ" أخرجهُ مسلم.
وعند الأربعة "أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ".
(وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: (إذا دبغَ الإهابُ) بزنة كتاب هو الجلد، أو ما لم يدبغ كما في القاموس، ومثله في النهاية (فقد طهر) بفتح الطاء والهاء ويجوز ضمها كما يفيده القاموس (أخرجه مسلم) بهذا اللفظ (وعند الأربعة) وهم أهل السنن: (أيُّما إهابٍ دُبغ) تمامه "فقد طهر".
والحديث أخرجه الخمسة، إنما اختلف لفظه، وقد روى بألفاظ، وذكر له سبب، وهو: أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم مر بشاة ميتة لميمونة فقال: "ألا استمتعتُم بإهابها فإنَّ دباغ الأديم طَهورٌ"، وروى البخاري: من حديث سودة قالت: "ماتت لَنَا شاةٌ فدبغنا مَسْكَها ثُمَّ ما زلنا ننْتبذُ فيه حتى صار شَناً".
والحديث دليل على أنّ الدباغ، مطهر لجلد ميتة كلّ حيوان، كما يفيده عموم كلمة "أيما"، وأنه يطهر باطنه وظاهره.
وفي المسألة سبعة أقوال:
الأول: أنّ الدباغ يطهر جلد الميتة باطنه وظاهره، ولا يخص منه شيء، عملاً بظاهر حديث ابن عباس وما في معناه. وهذا مروي عن علي عليه السلام، وابن مسعود.
والثاني من الأقوال: أنه لا يطهر الدباغ شيئاً، وهو مذهب جماهير الهادوية، ويروى عن جماعة من الصحابة مستدلين بحديث الشافعي الذي أخرجه أحمد، والبخاري في تاريخه، والأربعة، والدارقطني، والبيهقي، وابن حبان: عن عبد الله بن عكيم قال: "أتانا كتاب رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قبل موته: أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" وفي رواية الشافعي وأحمد وأبي داود: قبل موته بشهر، وفي رواية: بشهر، أو شهرين. قال الترمذي: حسن. وكان أحمد يذهب إليه ويقول: هذا آخر الأمرين، ثم تركه، قالوا ــــ أي: الهادوية: وهذا الحديث ناسخ لحديث ابن عباس لدلالته على تحريم الانتفاع من الميتة بإهابها وعصبها.
وأجيب عنه بأجوبة.
الأول: أنه حديث مضطرب في سنده، فإنه روى تارة عن كتاب النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وتارة عن مشايخ من جهينة عمن قرأ كتاب النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم. ومضطرب أيضاً في متنه، فروى من غير تقييد في رواية الأكثر، وروى بالتقييد بشهر، أو شهرين، أو أربعين يوماً، أو ثلاثة أيام، ثم إنه معلّ أيضاً بالإرسال؛ فإنه لم يسمعه عبد الله بن عكيم منه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، ومعلّ بالانقطاع؛ لأنه لم يسمعه عبد الرحمن بن أبي ليلى من ابن عكيم، ولذلك ترك أحمد بن حنبل القول به آخراً، وكان يذهب إليه أولاً، كما قال عنه الترمذي.
وثانياً: بأنه لا يقوى على النسخ؛ لأن حديث الدباغ أصح؛ فإنه مما اتفق عليه الشيخان. وأخرج مسلم، وروى من طرق متعددة في معناه عدة أحاديث عن جماعة من الصحابة، فعن ابن عباس حديثان، وعن أم سلمة ثلاثة، وعن أنس حديثان، وعن سلمة بن المحبق، وعائشة، والمغيرة، وأبي أمامة، وابن مسعود. ولأن الناسخ لا بد من تحقيق تأخره، ولا دليل على تأخر حديث ابن عكيم، ورواية التاريخ فيه بشهر أو شهرين معلة، فلا تقوم بها حجة على النسخ. على أنها لو كانت رواية التاريخ صحيحة، ما دلت على أنه آخر الأمرين جزماً.
ولا يقال: فإذا لم يتم النسخ تعارض الحديثان، حديث عبد الله بن عكيم وحديث ابن عباس ومن معه، ومع التعارض يرجع إلى الترجيح أو الوقف؛ لأنا نقول: لا تعارض إلا مع الاستواء وهو مفقود، كما عرفت من صحة حديث ابن عباس، وكثرة من معه من الرواة، وعدم ذلك في حديث ابن عكيم.
وثالثاً: بأن الإهاب كما عرفت عن القاموس والنهاية: اسم لما لم يدبغ في أحد القولين. وقال النضر بن شميل: ــــ الإهاب لما لم يدبغ، وبعد الدبغ يقال له: شن وقربة، وبه جزم الجوهري قيل: فلما احتمل الأمرين، وورد الحديثان في صورة المتعارضين، جمعنا بينهما: بأنه نهى عن الانتفاع بالإهاب ما لم يدبغ، فإذا دبغ لم يسم إهاباً، فلا يدخل تحت النهي، وهو حسن.
الثالث: يطهر جلد ميتة المأكول لا غيره، لكن يرده عموم "أيما إهاب".
الرابع: يطهر الجميع إلاّ الخنزير؛ فإنه لا جلد له وهو مذهب أبي حنيفة.
الخامس: يطهر إلاّ الخنزير لكن، لا لكونه لا جلد له، بل لكونه رجساً لقوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} والضمير للخنزير، فقد حكم برجسيته كله، والكلب مقيس عليه بجامع النجاسة، وهو قول الشافعي.
السادس: يطهر الجميع، لكن ظاهره دون باطنه، فيستعمل في اليابسات دون المائعات، ويصلى عليه ولا يصلى فيه، وهو مروي عن مالك جمعاً منه بين الأحاديث لما تعارضت.
السابع: ينتفع بجلود الميتة، وإن لم تدبغ ظاهراً وباطناً؛ لما أخرجه البخاري من رواية ابن عباس أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم مر بشاة ميتة، فقال: "هلا انتفعتم بإهابه؟ قالوا: إنها ميتة، قال: إنما حرم أكلها" وهو رأي الزهري. وأجيب عنه: بأنه مطلق قيدته أحاديث الدباغ التي سلفت.
وَعَنْ سَلَمَةَ بن الْمُحَبِّقِ رضي الله عَنْهُ، قَالَ: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "دِباغُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ طُهُورُهَا"، صححهُ ابنُ حِبّان.
(وعن سلمةَ بن المحبِّق رضي الله عنه) هو بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة المكسورة والقاف. وسلمة صحابي يعد في البصريين، روى عنه ابنه سنان. ولسنان أيضاً صحبة (قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "دباغ جُلود الميتة طهورها" صححه ابن حبان) أي أخرجه وصححه، وقد أخرج غير ابن حبان هذا الحديث، لكن بألفاظ: عند أحمد، وأبي داود، والنسائي، والبيهقي عن سلمة بلفظ: "دباغ الأديم: ذكاته"، وفي لفظ: "دباغها، ذكاتها"، وفي اخر: "دباغها: طهورها" وفي لفظ: "ذكاتها: دباغها"، وفي لفظ اخر: "ذكاة الأديم: دباغه". وفي الباب أحاديث بمعناه، وهو يدلّ على ما دلّ عليه حديث ابن عباس. وفي تشبيه الدباغ بالذكاة: إعلام بأنّ الدباغ في التطهير بمنزلة تذكية الشاة في الإحلال؛ لأن الذبح يطهرها ويحل أكلها.
وعن ميْمُونَةَ رضي الله عنها، قالتْ: مَرَّ النَّبيُّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بشاةٍ يجرُّونَها، فقال: "لَوْ أَخَذْتُمْ إهَابَهَا؟" فقالوا: إنّها مَيْتَةٌ، فقالَ: "يُطَهِّرُهَا الماءُ والْقَرَظُ" أخْرَجَهُ أبو داود والنّسائيُّ.
(وعن ميمونة رضي الله عنه) هي أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية، كان اسمها برة، فسماها رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ميمونة، تزوجها صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في شهر ذي القعدة سنة سبع في عمرة القضية، وكانت وفاتها سنة إحدى وستين، وقيل: إحدى وخمسين، وقيل: ست وستين، وقيل: غير ذلك، وهي خالة ابن عباس، ولم يتزوج صلى الله تعالى عليه واله وسلم بعدها (قالت: مر رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بشاة يجرُّونها فقال: لو أخذْتُم إهَابَهَا؟ فقالوا: إنها ميتةٌ، فقال: يُطهرها الماءُ والقَرَظُ" أخرجه أبو داود والنسائي) ، وفي لفظ عند الدارقطني عن ابن عباس: "أليس في الماء والقرظ ما يطهرها"، وأما رواية: "أليس في الشث والقرظ ما يطهرها"، فقال النووي: إنه بهذا اللفظ باطل لا أصل له. وقال في شرح مسلم: يجوز الدباغ بكل شيء ينشف فضلات الجلد ويطيبه، ويمنع من ورود الفساد عليه، كالشث، والقرظ، وقشور الرمان، وغير ذلك من الأدوية الطاهرة، ولا يحصل بالشمس إلا عند الحنفية، ولا بالتراب، والرماد، والملح على الأصح.
وعن أبي ثَعْلَبَةَ الخُشْنِيِّ رضي الله عنه، قال: قُلْتُ: يا رَسولَ الله، إنّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، أَفَنَأْكُلُ في انيَتِهمْ؟ قالَ: "لا تأكلُوا فيهَا، إلا أنْ لا تَجِدُوا غَيْرَها، فَاغْسِلُوهَا، وَكُلُوا فيها" متفق عَلَيْه.
(وعن أبي ثعلبة) بفتح المثلثة بعدها عين مهملة ساكنة فلام مفتوحة فموحدة (الخشني رضي الله عنه) بضم الخاء المعجمة فشين معجمة مفتوحة فنون، نسبة إلى خشين بن النمر من قضاعة حذفت ياؤه عند النسبة، واسمه جرهم بضم الجيم بعدها راء ساكنة فهاء مضمومة، ابن ناشب بالنون وبعد الألف شين معجمة اخره موحدة، اشتهر بلقبه، بايع النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بيعة الرضوان، وضرب له بسهم يوم خيبر، وأرسله إلى قومه فأسلموا، نزل بالشام ومات بها سنة خمس وسبعين، وقيل: غير ذلك (قال: قلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في انيتهم؟ قال: "لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها". متفق عليه) بين الشيخين.
استدل به على نجاسة انية أهل الكتاب، وهل هو لنجاسة رطوبتهم، أو لجواز أكلهم الخنزير، وشربهم الخمر، أو للكراهة؟
ذهب إلى الأول القائلون بنجاسة رطوبة الكفار، وهم الهادوية، والقاسمية. واستدلوا أيضاً بظاهر قوله تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} والكتابي يسمى مشركاً؛ إذ قالوا: المسيح ابن الله، وعزير ابن الله.
وذهب غيرهم من أهل البيت كالمؤيد بالله وغيره، وكذلك الشافعي: إلى طهارة رطوبتهم، وهو الحق؛ لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ولأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم توضأ من مزادة مشركة، ولحديث جابر عند أحمد، وأبي داود "كنا نغزو مع رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فنصيب من انية المشركين وأسقيتهم، ولا يعيب ذلك علينا".
قلنا: في غيره من الأدلة غنية عنه. فمنها ما أخرجه أحمد من حديث أنس: "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم دعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأكل منها" بفتح السين وسكون النون المعجمة فخاء مفتوحة أي متغيرة.
قال في البحر: لو حرمت رطوبتهم لاستفاض بين الصحابة نقل توقيهم لها لقلة المسلمين حينئذ، مع كثرة استعمالاتهم التي لا يخلو منها ملبوس ومطعوم، والعادة في مثل ذلك تقضي بالاستفاضة. قال: وحديث أبي ثعلبة: إما محمول على كراهة الأكل في انيتهم للاستقذار، لا لكونها نجسة؛ إذ لو كانت نجسة لم يجعله مشروطاً بعدم وجدان غيرها، إذ الإناء المتنجس بعد إزالة نجاسته هو وما لم يتنجس على سواء، أو لسد ذريعة المحرم، أو لأنها نجسة لما يطبخ فيها، لا لرطوبتهم كما تفيده رواية أبي داود وأحمد بلفظ: "إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في انيتهم الخمر، فقال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إن وجدتم غيرها" الحديث، وحديثه الأول مطلق، وهذا مقيد بانية يطبخ فيها ما ذكر ويشرب، فيحمل المطلق على المقيد.
وأما الآية: فالنجس لغة المستقذر، فهو أعم من المعنى الشرعي، وقيل: معناه ذو نجس؛ لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس، ولأنهم لا يتطهرون، ولا يغتسلون، ولا يتجنبون النجاسات فهي ملابسة لهم، وبهذا يتم الجمع بين هذا، وبين اية المائدة، والأحاديث الموافقة لحكمها، واية المائدة أصرح في المراد.
وعن عِمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهُ: أنَّ النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وأصحابه توضَّئوا من مزادةِ امرأةٍ مشركةٍ. متفق عليه. في حديث طويلٍ.
(وعن عمران بن حصين) بالمهملتين تصغير حصن، وعمران هو أبو نجيد بالجيم تصغير نجد الخزاعي الكعبي، أسلم عام خيبر، وسكن البصرة إلى أن مات بها سنة اثنتين أو ثلاث وخمسين، وكان من فضلاء الصحابة، وفقهائهم (رضي الله عنه: أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وأصحابه توضئوا من مزادة) بفتح الميم بعدها زاي ثم ألف وبعد الألف مهملة وهي الراوية، ولا تكون إلا من جلدتين تقام بثالث بينهما لتتسع، كما في القاموس (امرأة مشركة. متفق عليه) بين الشيخين (في حديث طويل) أخرجه البخاري بألفاظ فيها: "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بعث علياً، واخر معه في بعض أسفاره صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وقد فقدوا الماء"، فقال: "اذهبا فابتغيا الماء. فانطلقا، فتلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء على بعير لها. فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة، قالا: انطلقي إلى رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إلى أن قال: ودعا النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بإناء، ففرغ فيه من أفواه المزادتين أو السطيحتين، ونودي في الناس اسقوا، واستسقوا، فسقى من سقى، واستقى من شاء" الحديث، وفيه زيادة ومعجزات نبوية.
والمراد أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم توضأ من مزادة المشركة، وهو دليل لما سلف في شرح حديث أبي ثعلبة من طهارة انية المشركين، ويدل أيضاً على طهور جلد الميتة بالدباغ؛ لأن المزادتين من جلود ذبائح المشركين وذبائحهم ميتة، ويدل على طهارة رطوبة المشرك؛ فإن المرأة المشركة قد باشرت الماء وهو دون القلتين؛ فإنهم صرحوا بأنه لا يحمل الجمل قدر القلتين. ومن يقول: إن رطوبتهم نجسة، ويقول: لا ينجس الماء إلا ما غيره، فالحديث يدل على ذلك.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنَّ قَدَحَ النبيِّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم انْكَسَرَ، فاتّخَذَ مَكَانَ الشّعْبِ سَلْسَلَةً مِنْ فِضَّةٍ. أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.
(وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن قدح النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم انكسر، فاتخذ مكان الشعب) بفتح الشين المعجمة وسكون المهملة لفظ مشترك بين معان. والمراد منها هنا: الصدع والشق (سلسلة من فضة) في القاموس سلسلة بفتح أوله وسكون اللام وفتح السين الثانية منها: إيصال الشيء بالشيء، أو سلسلة بكسر أوله: دائر من حديد ونحوه، والظاهر أن المراد الأول، فيقرأ بفتح أوله (أخرجه البخاري).
وهو دليل على جواز تضبيب الإناء بالفضة، ولا خلاف في جوازه كما سلف. إلا أنه هنا قد اختلف في واضع السلسلة، فحكى البيهقي عن بعضهم: أن الذي جعل السلسلة هو أنس بن مالك، وجزم به ابن الصلاح، وقال أيضاً: فيه نظر؛ لأن في البخاري من حديث عاصم الأحول: "رأيت قدح النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عند أنس بن مالك، فكان قد انصدع، فسلسله بفضة".
وقال ابن سيرين: إنه كان فيه حلقة من حديد، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة، فقال له أبو طلحة: "لا تغيرن شيئاً صنعه رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فتركه" هذا لفظ البخاري. وهو يحتمل أن يكون الضمير في قوله فسلسله بفضة عائد إلى رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، ويحتمل أن يكون عائداً إلى أنس كما قال البيهقي، إلا أن اخر الحديث يدل للأول، وأن القدح لم يتغير عما كان عليه على عهد رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم. قلت: والسلسلة غير الحلقة التي أراد أنس تغييرها، فالظاهر: أن قوله فسلسله هو النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وهو حجة لما ذكره.
باب إزالة النجاسة وبيانها.
أي بيان النجاسة ومطهراتها
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سُئِلَ رَسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عَنِ الخَمْرِ: تُتّخَذُ خَلًّا؟ فقال: "لا" أخْرَجَهُ مسلمٌ والتِّرْمذي وقَالَ: حَسَنٌ صحيحٌ.
(وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عن الخمر) أي بعد تحريمها (تتخذ خلاً. فقال: لا. أخرجه مسلم والترمذي وقال: حسن صحيح) فسر الاتخاذ: بالعلاج لها، وقد صارت خمراً، ومثله حديث أبي طلحة، فإنها لما حرمت الخمر سأل أبو طلحة النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عن خمر عنده لأيتام: هل يخللها؟ فأمره بإراقتها. أخرجه أبو داود والترمذي.
والعمل بالحديث هو رأي الهادوية والشافعي لدلالة الحديث على ذلك، فلو خللها لم تحل، ولم تطهر، وظاهره بأي علاج كان، ولو بنقلها من الظل إلى الشمس أو عكسه، وقيل: تطهر وتحل. وأما إذا تخللت بنفسها من دون علاج فإنها طاهرة حلال. إلا أنه قال في البحر: إن أكثر أصحابنا يقولون: إنها لا تطهر، وإن تخللت بنفسها من غير علاج.
واعلم أنّ للعلماء في خل الخمر ثلاثة أقوال:
الأول: أنها إذا تخللت الخمر بغير قصد حل خلها، وإذا خللت بالقصد حرم خلها.
الثاني: يحرم كل خل تولد عن خمر مطلقاً.
الثالث: أن الخل حلال مع تولده من الخمر سواء قصد أم لا، إلا أن فاعلها اثم إن تركها بعد أن صارت خمراً، عاص لله مجروح العدالة؛ لعدم إراقته لها حال خمريتها، فإنه واجب كما دل له حديث أبي طلحة. لكن قال في الشرح: يحل الخل الكائن عن الخمر، فإنه خل لغة وشرعاً.
وقيل: وجعل التخلل أيضاً من دون تخمر في صور. منها: إذا صب في إناء معتق بالخل عصير عنب فإنه يتخلل ولا يصير خمراً. ومنها: إذا جردت حبات العنب من عناقيدها، وملىء منها الإناء، وختم رأس الإناء بطين أو نحوه فإنه يتخلل ولا يصير خمراً. ومنها: إذا عصر أصل العنب، ثم ألقي عليه قبل أن يتخلل مثلاه خلاً صادقاً، فإنه يتخلل، ولا يصير خمراً أصلاً.
وعنه رضي الله عنه قال: لَمّا كان يَوْمُ خَيْبَر، أَمَرَ رَسُول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أبا طَلْحَةَ، فَنَادَى: "إنَّ الله ورَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأهْلِيّةِ، فإنها رِجْسٌ" متفق عليه.
(وعنه) أي: عن أنس بن مالك (قال: لما كان يوم خيبر أمر رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أبا طلحة فنادى: إن الله ورسوله ينهيانكم) بتثنية الضمير لله تعالى ولرسوله.
وقد ثبت أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال للخطيب الذي قال في خطبته: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما الحديث: "بئس خطيب القوم أنت" لجمعه بين ضمير الله تعالى وضمير رسوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وقال: قل: "ومن يعص الله ورسوله". فالواقع هنا يعارضه، وقد وقع أيضاً في كلامه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم التثنية بلفظ "أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما".
وأجيب بأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم نهى الخطيب؛ لأن مقام الخطابة يقتضي البسط والإيضاح، فأرشده إلى أنه يأتي بالاسم الظاهر، لا بالضمير، وأنه ليس العتب عليه من حيث جمعه بين ضميره تعالى وضمير رسوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم. الثاني أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم له أن يجمع بين الضميرين وليس لغيره لعلمه بجلال ربه وعظمة الله.
(عن لحوم الحمر الأهلية) كما يأتي (فإنها رجس. متفق عليه) وحديث أنس في البخاري: "أن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم جاءه جاء فقال: أكلت الحمر، ثم جاءه جاء فقال: أكلت الحمر، ثم جاءه جاء فقال: أفنيت الحمر، فأمر منادياً ينادي: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية؛ فإنها رجس، فأكفئت القدور، وإنها لتفور بالحمر".
والنهي عن لحوم الحمر الأهلية ثابت في حديث علي عليه السلام، وابن عمر، وجابر بن عبد الله، وابن أبي أوفى، والبراء، وأبي ثعلبة، وأبي هريرة، والعرباض بن سارية، وخالد بن الوليد، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والمقدام بن معديكرب، وابن عباس، وكلها ثابتة في دواوين الإسلام، وقد ذكر من أخرجها في الشرح. وهي دالة على تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية، وتحريمها هو قول الجماهير من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم؛ لهذه الأدلة.
وذهب ابن عباس إلى عدم تحريم الحمر الأهلية؛ وفي البخاري عنه: لا أدري أنهي عنها من أجل أنها كانت حمولة الناس، أو حرمت؟ ولا يخفى ضعف هذا القول؛ لأن الأصل في النهي التحريم وإن جهلنا علته، واستدل ابن عباس بعموم قوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} الاية، فإنه تلاها جواباً لمن سأله عن تحريمها، ولحديث أبي داود: "أنه جاء إلى رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم غالب بن أبجر فقال: يا رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أصابتنا سنة، ولم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر، وإنك حرمت لحوم الحمر الأهلية، فقال: أطعم أهلك من سمين حمرك، فإنما حرمتها من أجل جوال القرية" يريد التي تأكل الجلة وهي العذرة.
وأجيب: بأن الاية خصت عمومها الأحاديث الصحيحة المتقدمة، وبأن حديث أبي داود مضطرب مختلف فيه اختلافاً كثيراً، وإن صح حمل على الأكل منها عند الضرورة، كما دل عليه قوله: أصابتنا سنة، أي شدة وحاجة.
وذكر المصنف لهذين الحديثين في باب النجاسات وتعدادها مبني على أن التحريم من لازمه التنجيس، وهو قول الأكثر، وفيه خلاف.
والحق: أن الأصل في الأعيان الطهارة، وأن التحريم لا يلزم النجاسة، فإن الحشيشة محرمة طاهرة، وكذا المخدرات والسموم القاتلة لا دليل على نجاستها. وأما النجاسة فيلازمها التحريم، فكل نَجس محرم ولا عكس؛ وذلك لأن الحكم في النجاسة هو المنع عن ملابستها على كل حال، فالحكم بنجاسة العين حكم بتحريمها، بخلاف الحكم بالتحريم؛ فإنه يحرم لبس الحرير والذهب، وهما طاهران ضرورة شرعية وإجماعاً.
فإذا عرفت هذا فتحريم الحمر والخمر الذي دلت عليه النصوص لا يلزم منه نجاستهما، بل لا بد من دليل اخر عليه، وإلا بقيتا على الأصل المتفق عليه من الطهارة. فمن ادعى خلافه فالدليل عليه، ولذا نقول: لا حاجة إلى إتيان المصنف بحديث عمرو بن خارجة الاتي قريباً مستدلاً به على طهارة لعاب الراحلة. وأما الميتة فلولا أنه ورد: "دباغ الأديم طهوره" "وأيما إهاب دبغ فقد طهر" لقلنا بطهارتها؛ إذ الوارد في القران تحريم أكلها، لكن حكمنا بالنجاسة لما قام عليها دليل غير دليل تحريمها.
وعن عَمرو بن خارجةَ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَنَا رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بِمِنَىً، وَهُوَ على رَاحِلَتِهِ، ولُعَابُهَا يسيل على كَتِفِي. أخرَجَهُ أحمَدُ والترمذيُّ وصححه.
(وعن عمرو بن خارجة) هو صحابي أنصاري عداده في أهل الشام، وكان حليفاً لأبي سفيان بن حرب، وهو الذي روى عنه عبد الرحمن بن غنم: أنه سمع رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يقول في خطبته: "إنَّ الله قد أعطَى كلَّ ذي حق حقه فلا وصيَّة لوارث" (قال: خطبنا رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بمنىً وهو على راحلته) بالحاء المهملة وهي من الإبل الصالحة لأن ترحل (ولعابها) بضم اللام وعين مهملة وبعد الألف موحدة، هو: ما سال من الفم (يسيلُ على كتفي. أخرجه أحمد، والترمذي وصححه).
والحديث: دليل على أن لعاب ما يؤكل لحمه طاهر، قيل: وهو إجماع، وهو أيضاً الأصل، فذكر الحديث بيان للأصل، ثم هذا مبني على أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم علم سيلان اللعاب عليه ليكون تقريراً.
وعن عائشة رَضِي الله عنها، قالت: كانَ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يَغْسِلُ الْمَنِيَّ، ثم يخرُجُ إلى الصَّلاة في ذلك الثّوبِ، وأنَا أَنْظُرُ إلى أثَرِ الْغَسْلِ. متفق عليه.
ولمسْلمٍ: لَقَدْ كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فَرْكاً، فَيُصَلي فِيهِ.
وفي لفظ له: لَقَدْ كُنْتُ أَحُكُّهُ يابساً بظُفْري مِنْ ثَوْبِهِ.
(وعن عائشة رضي الله عنها) هي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق. أمها أم رومان ابنة عامر. خطبها النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بمكة، وتزوجها في شوال سنة عشرة من النبوة، وهي بنت ست سنين، وعرس بها أي دخل بها في المدينة في شوال سنة ثنتين من الهجرة وقيل: غير ذلك، وهي بنت تسع سنين من غير اعتبار الكسر ومات عنها ولها ثماني عشرة سنة، ولم يتزوج بكراً غيرها، واستأذنت النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في الكنية، فقال لها: تكني بابن أختك عبد الله بن الزبير. وكانت فقيهة عالمة فصيحة فاضلة، كثيرة الحديث عن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، عارفة بأيام العرب وأشعارها. روى عنها جماعة من الصحابة والتابعين، نزلت براءتها من السماء في عشر ايات في سورة النور. توفي رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في بيتها، ودفن فيه، وماتت بالمدينة سنة سبع وخمسين، وقيل: سنة ثمان وخمسين، ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان، ودفنت بالبقيع، وصلى عليها أبو هريرة، وكان خليفة مروان في المدينة.
(قالت: كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يغسلُ المنيَّ، ثم يخرُجُ إلى الصَّلاة في ذلك الثّوب، وأنا أنظرُ إلى أثر الغسل فيه. متفق عليه) وأخرجه البخاري أيضاً من حديث عائشة بألفاظ مختلفة: وأنها كانت تغسل المني من ثوبه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وفي بعضها: "وأثَرُ الغسل في ثوبهِ بقع الماء" وفي لفظ: "فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه" وفي لفظ: "وأثر الغسل فيه بقع الماء" وفي لفظ: "ثم أراه فيه بقعة أو بقعاً". إلا أنه قد قال البزار: إن حديث عائشة هذا مداره على سليمان بن يسار، ولم يسمع من عائشة، وسبقه إلى هذا الشافعي في الأم حكاية عن غيره. ورد ما قاله البزار بأن تصحيح البخاري له، وموافقة مسلم له على تصحيحه مفيد لصحة سماع سليمان من عائشة، وأن رفعه صحيح.
وبهذا الحديث استدل من قال: بنجاسة المني وهم الهادوية، والحنفية، ومالك، ورواية عن أحمد قالوا: لأن الغسل لا يكون إلا عن نجس، وقياساً على غيره من فضلات البدن المستقذرة من البول والغائط؛ لانصباب جميعها إلى مقر وانحلالها عن الغذاء؛ ولأن الأحداث الموجبة للطهارة نجسة والمني منها؛ ولأنه يجري من مجرى البول، فتعين غسله بالماء كغيره من النجاسات، وتأولوا ما يأتي مما يفيده قوله: (ولمُسلم) أي عن عائشة رواية انفرد بلفظها عن البخاري وهي قولها: (لقد كنتُ أفرُكُهُ من ثَوْبِ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فَرْكاً) مصدر تأكيدي يقرر أنها كانت تفركه وتحكه، والفرك: الدلك، يقال: فرك الثوب، إذا دلكه (فيصلي فيه، وفي لفظ له) أي لمسلم عن عائشة: (لقد كنتُ أحُكُهُ) أي المني حال كونه (يابساً بظفري من ثوبه). اختص مسلم بإخراج رواية الفرك، ولم يخرجها البخاري.
وقد روى الحت والفرك أيضاً البيهقي، والدارقطني، وابن خزيمة، وابن الجوزي، من حديث عائشة، ولفظ البيهقي: "ربما حتته من ثوب رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وهو يصلي" ولفظ الدارقطني، وابن خزيمة: "أنها كانت تحت المني من ثوب رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وهو يصلي"، ولفظ ابن حبان: "لقد رأيتني أفرك المني من ثوب رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وهو يصلي" رجاله رجال الصحيح؛ وقريب من هذا الحديث: حديث ابن عباس عند الدارقطني. والبيهقي، وقال البيهقي بعد إخراجه: ورواه وكيع، وابن أبي ليلى موقوفاً على ابن عباس، وهو الصحيح اهـ. سئل رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عن المني يصيب الثوب فقال: "إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق والبزاق وقال: إنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو إذخرة".
فالقائلون بنجاسة المني: تأولوا أحاديث الفرك هذه: بأن المراد به الفرك مع غسله بالماء وهو بعيد.
وقالت الشافعية: المني طاهر، واستدلوا على طهارته بهذه الأحاديث قالوا: وأحاديث غسله محمولة على الندب، وليس الغسل دليل النجاسة، فقد يكون لأجل النظافة، وإزالة الدرن، ونحوه. قالوا: وتشبيهه بالبزاق والمخاط دليل على طهارته أيضاً، والأمر بمسحه بخرقة، أو إذخرة لأجل إزالة الدرن المستكره بقاؤه في ثوب المصلى، ولو كان نجساً لما أجزأ مسحه. وأما التشبيه للمني بالفضلات المستقذرة من البول والغائط، كما قاله من قال بنجاسته، فلا قياس مع النص.
قال الأولون: هذه الأحاديث في فركه وحته إنما هي في منيه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وفضلاته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم طاهرة فلا يلحق به غيره.
وأجيب عنه: بأن عائشة أخبرت عن فرك المني من ثوبه، فيحتمل أنه عن جماع، وقد خالطه مني المرأة، فلم يتعين أنه منيه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وحده، والاحتلام على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام غير جائز؛ لأنه من تلاعب الشيطان، ولا سلطان له عليهم ولأنه قيل إنه منيه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وأنه من فيض الشهوة بعد تقدم أسباب خروجه من ملاعبة ونحوها، وأنه لم يخالطه غيره، فهو محتمل، ولا دليل مع الاحتمال.
وذهبت الحنفية إلى نجاسة المني كغيرهم؛ ولكن قالوا: يطهره الغسل، أو الفرك، أو الإزالة بالإذخر، أو الخرقة عملاً بالحديثين. وبين الفريقين القائلين بالنجاسة، والقائلين بالطهارة مجادلات، ومناظرات، واستدلالات طويلة استوفيناها في حواشي شرح العمدة.
وعن أبي السّمْحِ رضي الله عنه قال: قالَ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ، ويُرشُّ مِنْ بَوْلِ الغُلامِ" أخرجه أبو داود والنسائي، وصححه الحاكمُ.
(وعن أبي السمح) بفتح السين المهملة وسكون الميم فحاء مهملة، واسمه إياد بكسر الهمزة ومثناة تحتية مخففة بعد الألف دال مهملة، وهو خادم رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم له حديث واحد (قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "يُغْسَلُ من بَوْلِ الجارية) في القاموس: أن الجارية فتية النساء (ويرش منْ بَوْل الغُلام" أخرجه أبو داود، والنسائي، وصححه الحاكم).
وأخرج الحديث أيضاً البزار، وابن ماجه، وابن خزيمة من حديث أبي السمح قال: "كنت أخدم النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فأتي بحسن أو حسين، فبال على صدره فجئت أغسله، فقال: "يغسل من بول الجارية"، الحديث. وقد رواه أيضاً أحمد، وأبو داود وابن خزيمة، وابن ماجه، والحاكم من حديث لبابة بنت الحارث قالت: "كان الحسين وذكرت الحديث" وفي لفظه: "يغسل من بول الأنثى، وينضح من بول الذكر" ورواه المذكورون، وابن حبان من حديث علي عليه السلام قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في بول الرضيع: "ينضح بول الغلام، ويغسل بول الجارية" قال قتادة راويه: هذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا. وفي الباب أحاديث مرفوعة، وهي كما قال الحافظ البيهقي: إذا ضم بعضها إلى بعض قويت.
والحديث دليل على الفرق بين بول الغلام وبول الجارية في الحكم، وذلك قبل أن يأكلا الطعام، كما قيده به الراوي، وقد روي مرفوعاً أي بالتقييد بالطعم لهما. وفي صحيح ابن حبان، والمصنف لابن أبي شيبة عن ابن شهاب: "مضت السنة أن يرش بول من لم يأكل الطعام من الصبيان"، والمراد ما لم يحصل لهم الاغتذاء بغير اللبن على الاستقلال؛ وقيل: غير ذلك.
وللعلماء في ذلك ثلاثة مذاهب:
الأول: للهادوية، والحنفية، والمالكية، أنه يجب غسلها كسائر النجاسات قياساً لبولهما على سائر النجاسات، وتأولوا الأحاديث، وهو تقديم للقياس على النص.
الثاني: وجه للشافعية، وهو أصح الأوجه عندهم: أنه يكفي النضح في بول الغلام، لا الجارية، فكغيرها من النجاسات، عملاً بالأحاديث الواردة بالتفرقة بينهما، وهو قول علي عليه السلام، وعطاء، والحسن، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم.
والثالث: يكفي النضح فيهما وهو كلام الأوزاعي. وأما هل بول الصبي طاهر أو نجس؟ فالأكثر: على أنه نجس، وإنما خفف الشارع تطهيره.
واعلم أن النضح كما قاله النووي في شرح مسلم: هو أن الشيء الذي أصابه البول يغمر، ويكاثر بالماء مكاثرة لا تبلغ جريان الماء، وتردده، وتقاطره، بخلاف المكاثرة في غيره؛ فإنه يشترط أن تكون بحيث يجري عليها بعض الماء، ويتقاطر من المحل، وإن لم يشترط عصره، وهذا هو الصحيح المختار، وهو قول إمام الحرمين، والمحققين.
وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أبي بكر رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قالَ ــــ في دَمِ الحَيْضِ يُصيبُ الثّوبَ ــــ: "تَحُتُّهُ، ثمَّ تَقْرُصُهُ بالمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلي فيهِ" متفق عليه.
(وعن أسماء) بفتح الهمزة وسين مهملة فميم فهمزة ممدودة (بنت أبي بكر رضي الله عنهما) وهي أم عبد الله بن الزبير. أسلمت بمكة قديماً، وبايعت النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وهي أكبر من عائشة بعشر سنين، وماتت بمكة بعد أن قتل ابنها بأقل من شهر، ولها من العمر مائة سنة، وذلك سنة ثلاث وسبعين، ولم تسقط لها سن، ولا تغير لها عقل، وكانت قد عميت.
(أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال في دم الحيض يصيب الثوب: "تحته") بالفتح للمثناة الفوقية وضم الحاء المهملة وتشديد المثناة الفوقية، أي تحكه، والمراد بذلك إزالة عينه (ثمَّ تقرُصُهُ بالماء) أي الثوب، وهو بفتح المثناة الفوقية وإسكان القاف وضم الراء والصاد المهملتين: أي تدلك ذلك الدم بأطراف أصابعها ليتحلل بذلك ويخرج ما شربه الثوب منه (ثم تَنْضَحُهُ) بفتح الضاد المعجمة: أي تغسله بالماء (ثمَّ تصلي فيه" متفق عليه). ورواه ابن ماجه بلفظ: "اقرصيه بالماء واغسليه" ولابن أبي شيبة بلفظ: "اقرصيه بالماء، واغسليه، وصلي فيه". وروى أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان من حديث أم قيس بنت محصن: "أنها سألت رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عن دم الحيض يصيب الثوب فقال: "حكيه بصلع، واغسليه بماء وسدر" قال ابن القطان: إسناده في غاية الصحة، ولا أعلم له علة، وقوله: بصلع بصاد مهملة مفتوحة فلام ساكنة وعين مهملة: الحجر.
والحديث دليل على نجاسة دم الحيض، وعلى وجوب غسله، والمبالغة في إزالته بما ذكر من الحت، والقرص، والنضح لإذهاب أثره، وظاهره: أنه لا يجب غير ذلك، وإن بقي من العين بقية، فلا يجب الحاد لإذهابها؛ لعدم ذكره في الحديث أي حديث أسماء، وهو محل البيان؛ ولأنه قد ورد في غيره: "ولا يضرك أثره".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالتْ خَوْلَةُ: يا رسُول الله، فإنْ لَمْ يَذْهَبِ الدَّمُ؟ قالَ: "يَكْفِيكِ الْمَاءُ، ولا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ" أخرجه الترمذي. وسنده ضعيف.
(وعن أبي هريرة قال: قالت خولة) بالخاء المعجمة مفتوحة وسكون الواو وهي بنت يسار، كما أفاده ابن عبد البر في الاستيعاب حيث قال: خولة بنت يسار (يا رسول الله فإن لم يذهب الدم قال: يكفيك الماءُ ولا يضُرُّكِ أثَرُهُ. أخرجه الترمذي وسنده ضعيف) ، وكذلك أخرجه البيهقي، لأن فيه ابن لهيعة. وقال إبراهيم الحربي: لم نسمع بخولة بنت يسار إلا في هذا الحديث. ورواه الطبراني في الكبير من حديث خولة بنت حكيم بإسناد أضعف من الأول. وأخرجه الدارمي من حديث عائشة موقوفاً عليها: "إذا غسلت المرأة الدم، فلم يذهب فلتغيره بصفرة أو زعفران" رواه أبو داود عنها موقوفاً أيضاً، وتغييره بالصفرة والزعفران ليس لقلع عينه، بل لتغطية لونه تنزهاً عنه.
والحديث دليل لما أشرنا: من أنه لا يجب استعمال الحاد لقطع أثر النجاسة وإزالة عينها. وبه أخذ جماعة من أهل البيت، ومن الحنفية، والشافعية.
واستدل من أوجب الحاد وهم الهادوية: بأن المقصود من الطهارة أن يكون المصلى على أكمل هيئة وأحسن زينة. ولحديث: "اقرصيه وأميطيه عنك بإذخرة".
قال في الشرح: ــــ وقد عرفت أن ما ذكره يفيد المطلوب، وأن القول الأول أظهر، هذا كلامه.
وقد يقال: ــــ قد ورد الأمر بالغسل لدم الحيض بالماء والسدر، والسدر من الحواد، والحديث الوارد به في غاية الصحة كما عرفت، فيقيد به ما أطلق في غيره، ويخص استعمال الحاد بدم الحيض، ولا يقاس عليه غيره من النجاسات، وذلك لعدم تحقق شروط القياس، ويحمل حديث: "ولا يضرك أثره" وحديث عائشة، وقولها: فلم يذهب، أي بعد الحاد.
فهذه الأحاديث في هذا الباب اشتملت من النجاسات على: الخمر، ولحوم الحمر الأهلية، والمني، وبول الجارية، والغلام، ودم الحيض. ولو أدخل المصنف بول الأعرابي في المسجد، ودباغ الأديم، ونحوه في هذا الباب، لكان أوجه.
باب الوضوء
في القاموس الوضوء يأتي بالضم الفعل وبالفتح ماؤه ومصدر أيضا أو لغتان ويعني بهما المصدر وقد يعنى بهما الماء يقال توضأت للصلاة وتوضيت لغية أو لثغة أهـ
واعلم أن الوضوء من أعظم شروط الصلاة وقد ثبت عند الشيخين من حديث أبي هريرة مرفوعا إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ وثبت حديث الوضوء شطر الإيمان وأنزل الله فريضته من السماء في قوله يا أيها لذين آمنوا إذا قمتم إلى لصلاة فغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى لمرافق ومسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى لكعبين وإن كنتم جنبا فطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جآء أحد منكم من لغائط أو لامستم لنسآء فلم تجدوا مآء فتيمموا صعيدا طيبا فمسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد لله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون الاية وهي مدنية واختلف العلماء هل كان فرض الوضوء بالمدينة أو بمكة فالمحققون على أنه فرض بالمدينة لعدم النص الناهض على خلافه ، وورد في الوضوء فضائل كثيرة منها حديث أبي هريرة عند مالك وغيره مرفوعا إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع اخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع اخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع اخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب. وأشمل منه ما أخرجه مالك أيضا من حديث عبد الله الصنابحي بضم الصاد المهملة وفتح النون وكسر الموحدة اخره مهملة نسبة إلى صنابح بطن من مراد وهو صحابي قال إن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من أظفار رجليه ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له وفي معناهما عدة أحاديث ، ثم هل الوضوء من خصائص هذه الأمة فيه خلاف المحققون على أنه ليس من خصائصها إنما الذي من خصائصها الغرة والتحجيل
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أنه قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء أخرجه مالك وأحمد والنسائي وصححه ابن خزيمة وذكره البخاري تعليقا
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أنه قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء أخرجه مالك وأحمد والنسائي وصححه ابن خزيمة وذكره البخاري تعليقا. المعلق هو ما يسقط من أول إسناده راو فأكثر.
قال في الشرح الحديث متفق عليه عند الشيخين من حديث أبي هريرة وهذا لفظه ، قال ابن منده إسناده مجمع على صحته.
قال النووي غلط بعض الكبار فزعم أن البخاري لم يخرجه.
قلت وظاهر صنيع المصنف هنا يقضي بأنه لم يخرجه واحد من الشيخين وهو من أحاديث عمدة الأحكام التي لا يذكر فيها إلا ما أخرجه الشيخان إلا أنه بلفظ عند كل صلاة. وفي معناه عدة أحاديث عن عدة من الصحابة منها عن علي عليه السلام عند أحمد وعن زيد بن خالد عند الترمذي وعن أم حبيبة عند أحمد وعن عبد الله بن عمر وسهل بن سعد وجابر وأنس عند أبي نعيم وأبي أيوب عند أحمد والترمذي ومن حديث ابن عباس وعائشة عند مسلم وأبي داود وورد الأمر به من حديث تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم أخرجه ابن ماجه وفيه ضعف ولكن له شواهد عديدة دالة على أن للأمر به أصلا.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar